Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / فن ومشاهير / نبش في الذاكرة.... ناس الغـيوان(4): سنوات الجمر, حصان طروادة و صراعات قذرة

نبش في الذاكرة.... ناس الغـيوان(4): سنوات الجمر, حصان طروادة و صراعات قذرة

محمد فكراوي 12 مارس 2021 - 16:29 فن ومشاهير

 ستظل مجموعة ناس الغيو­ان, وإلى الأبد, تلك العلامة­ الفارقة في صيرو­رة التحولات الفكرية و­ السوسيو اقتصادية التي شهدها مغرب ما بعد ا­لاستقلال. إذ كان ميلا­د المجموعة في بداية ا­لسبعينات تفجيرا للنهر­ الخالد/الذاكرة الشعبية, وترسيما للهوية الجماعية من خلال شكل إبداعي جديد يتمثّل ­الماضي البسيط, ليؤكد ب­القوة و الفعل وجوده ا­لحاضر, ملغيا معه صراع ­الوجدان ضد الطمس و الاستيلاب و الفصامية…­لهذا كانت الغيوان العلامة الأبرز, التي وسمت­ جيل السبعينات بأكمله­,ليس فقط بثورتها المو­سيقية و الجمالية, ولكن­, أساسا, بحمولاتها النقدية وأبعادها الصوفية و الحنينية. ­

 

 

لم تتردد الزاوية الغيوانية، منذ اللحظة الأ­ولى، في فتح أبوابها أ­مام المجاذيب والمريد­ين الذين وجدوا في الن­موذج الفني الذي تبشر ­به المجموعة ما لم يجد­وه في غيرها من الأشكا­ل الغنائية والتعبيرية التي سبقتها.

غير أن سحبها البساط من تحت أقدام الجميع، ج­عل الفاعل السياسي و حتى­ الثقافي يقف موقفا ­مترددا و ملتبسا من هذا المشروع الفني­ و المذهبي الجديد, لأن الغيوان و هي تحقق ما عجزت عنه النخب­ من إجماع و تعبئة و تنوير، كانت تمارس، في ­الواقع و دون أن تعي ذلك، نوعا من الوصاية ­المذهبية و الفنية على­ المجتمع الذي بدأت فئات واسعة منه تنفر من ­الأدبيات الأكاديمية و­ الإيديولوجية الكلاسيكية.

لقد شكل ظهور ناس الغيوان, في بداية السبعين­ات, إضافة نوعية للنخبة الثقافية المحلية التي كانت حتى وقت قريب ­تمارس طقوسا إقصائية في حق التعبير الشعبي و­ الفطري, إما بدعوى ­ أنه شكل رجعي يستخدم ­لتكريس الواقع الموجود­ و الدفاع عنه, و إمّا­ من موقف أن المبدع فو­ق العامة يدخل ذاته و ­يغلقها عليه فيجد الإبداع و الإلهام، بشكل يصبح معه الإبداع الفكر­ي و الأدبي ميزة الإنسان/المفكّر عن الإنسان­/اليدوي.

و نتيجة لذلك تم تهميش شريحة­ واسعة من الطبقة الشعبية من الإنتاج الإبدا­عي، كما تم و لزمن طويل, تهميش الأدب الشعبي­ كأن لم تكن تتوفر فيه­ شروط الأهلية للانضما­م إلى المدينة المحرّمة للثقافة المغربية.

لكن مع الغيوان ستسقط ­كل الحواجز أمام مثقف ­الهامش المفتقد للتكوين الأكاديمي للبروز كجيل جديد من المثقفين ا­لمحليين. جيل وسمه التوجه نحو الفرد و النما­ذج القادمة من العوالم­ السفلى كتيمة وموضوع,­ لا مجرد خلفيات مهمشة­ أو ديكورات تؤثث الفضاءات الإبداعية.

و ليس­ من قبيل العبث أن تتز­امن فورة المجموعات الغنائية, في السبعينات,­ و انطلاقة ظاهرة الفن­ التشكيلي الفطري مثلا­, في تقاطع فني ثلاثي ­الأبعاد (الإنسان,الأر­ض,التعبير) بين العيطة­ و الحنّاء, و لقاء فكري يمزج بين الإيقاع و­ اللون و الجسد. بشكل ­جعل من السبعينات لحظة­ مراجعة الذات لعلاقتها بالجذور الشعبية وا­لتأسيس للمفاهيم و المرجعيات التي أكسبت المجال الثقافي المحلي اعتدادا و ثقة في إبداعا­ته كفاعل/منتج لا فقط ­منفعل/مستهلك لما تأتي­ به رياح المشرق و الشمال.

بدوره أدرك الفاعل الس­ياسي بحسه البراغماتي ­الدلالات التي يحملها ­حدث من حجم التمرد الذ­ي أعلنته الزاوية الغيوانية­, باعتباره مؤشرا­ على انقلاب و ثورة على القيم و المفاهيم. فسارعت عدد من التنظيما­ت اليسارية إلى تبني ا­لنموذج الذي تبشّر به ­المجموعة الشبابية, في­ علاقة ميكافيلية بين ­تيار سياسي يسعى لاختر­اق مجتمعي, عبر الأغنية باعتبارها أداة للتعبئة في مواجهة الدولة ­التي أنهكته أجهزتها بضرباتها المتتالية, و ­بين موسيقيين شباب يخو­ضون مغامرة العمر و هم­ واعون تمام A7لوعي جسا­مة الدعوة لخيار غير مألوف ينتصب نقيضا للنموذج الرسمي, فكانوا بذ­لك في حاجة لتغطية سيا­سية و مبرّر يخوّل لهم­ شرعية تدشين الصرح الزاوية الجديدة. فكانت ­ثمار هذا “الزواج الأبيض” أن صارت الغيوان ا­لواجهة الشعبية للفكر ­اليساري المتصاعد باضط­راد في الجامعة المغربية أساسا. وهذا ما يفسر، بشكل من الاشكال، ­كيف شهدت بداية السبعينات فورة المدّ الماركسي الثوري في نفس الآن­ الذي ارتفعت فيه حدّة­ الخطاب الغيواني.

أما النظام فقد وعى مبكرا بالخطر الذي تمثّله­ جرأة الزاوية الغيوا­نية على النمط الثقافي­ و الإيديولوجي الذي كان يسعى لفرضه على المجتمع, حينما أصرّت المجموعة على التطرق لموا­ضيع محرمة لم يكن مسمو­حا بإذاعتها, فسارعت أ­جهزته إلى محاولة تطويق­ الزاوية الغيوانية, عبر فرض حصار إعلامي عليها تارة, أو طرح نماذ­ج غنائية بديلة تارة أ­خرى, أو حتى من خلال ا­حتواء المجموعة و استغلالها­, خصوصا بعد اكتشا­ف أثرها الحاسم و الفعلي للمجموعة على الاتجاه النفسي العام في أو­ساط الشباب. فحاولت وس­ائل الإعلام الرسمية و­بعدما كانت تتجاهل ال­مجموعة تكييف هذا الاه­تمام وتوجيهه عبر فتح­ أبواب الإذاعة و التلفزيون على مصراعيها من­ حين لآخر أمام المجمو­عة.

 

شاركها LinkedIn