Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / آراء / التقاعد الزوجي: حين يصبح الانفصال محطة للراحة

التقاعد الزوجي: حين يصبح الانفصال محطة للراحة

كيوسك أنفو 22 فبراير 2025 - 16:05 آراء
زهير أصدور*
في قاعة غرفة المشورة بقسم قضاء الاسرة، جلست “فاطمة”، امرأة جاوزت السبعين من عمرها، أمام القاضية التي تأمل أن تفهم سبب طلبها التطليق للشقاق بعد خمسين عامًا من الزواج. بدت هادئة، واثقة، وكأنها اتخذت قرارها عن قناعة راسخة.
“ما سبب رغبتك في التطليق؟” سألتها القاضية.
رفعت فاطمة رأسها وقالت بحزم:
“أريد التمتع بالتقاعد الزوجي، يكفي ما عشته. أريد الخلاص والاستمتاع بما بقي من حياتي.”
همهم بعض الحضور بدهشة، وبدا وكأن القاضية نفسها لم تسمع بهذا المصطلح من قبل.
“ماذا تقصدين بالتقاعد الزوجي؟”
ابتسمت فاطمة وقالت:
“كما يتقاعد الموظف بعد عقود من العمل، أعتقد أن الزواج أيضًا يحتاج إلى تقاعد. لقد قضيت عمري أخدم، أضحي، أتحمل، واليوم أشعر أني بحاجة إلى فترة راحة، إلى حياة دون مسؤوليات زوجية، دون التزامات لا تنتهي. لقد كنت زوجة، أماً، جدة، والآن أريد أن أكون فقط… فاطمة.”
صمتت القاضية قليلًا، ثم سألتها:
“وهل هناك مشاكل بينك وبين زوجك؟”
هزت فاطمة رأسها:
“لا، لا خيانة، لا عنف، لا مشاكل مادية، فقط تعبٌ طويل. زوجي لا يزال يحبني، لكنه يعاملني كأنني جزء من الأثاث، شيء مضمون في حياته. وأنا لا أريد أن أمضي أيامي الأخيرة بهذه الطريقة. أريد أن أعيش لنفسي.”
كانت كلماتها بمثابة صدمة للجميع. فالطلاق غالبًا ما يكون نتيجة أزمة، خيانة، أو خلافات حادة، لكن “التقاعد الزوجي”؟ فكرة جديدة تمامًا.
التقاعد الزوجي: ظاهرة جديدة أم حق مؤجل؟
ما قالته فاطمة يفتح باب النقاش حول مفهوم “التقاعد الزوجي”، وهو فكرة قد تبدو غريبة لكنها في الواقع تعكس واقعًا تعيشه الكثير من النساء والرجال أيضًا. فكما يتقاعد الإنسان من العمل بعد عقود من العطاء، قد يشعر أحد الزوجين، بعد سنوات طويلة من الزواج، بأنه بحاجة إلى مساحة خاصة، إلى وقت مستقطع من الالتزامات الزوجية التي ربما استنزفت روحه.
في مجتمعاتنا، يُنظر إلى الزواج على أنه التزام أبدي، بغض النظر عن تغير المشاعر أو الإرهاق النفسي والجسدي الذي قد يرافقه. لكن في العقود الأخيرة، بدأت تظهر بوادر “ثورة هادئة” تقودها نساء مثل فاطمة، يطالبن بحقهن في راحة زوجية مستحقة، ليس بسبب الكره أو الخلاف، ولكن بدافع البحث عن سلام شخصي افتقدنه لسنوات.
بين المنطق والرفض الاجتماعي:
يبدو مفهوم التقاعد الزوجي منطقيًا من زاوية معينة:
• بعد عقود من تحمل مسؤوليات الزواج والأسرة، قد يحتاج أحد الطرفين إلى استقلالية متأخرة.
• طول عمر الإنسان اليوم يجعله يمر بمراحل نفسية مختلفة، وما يناسب شخصًا في العشرين قد لا يناسبه في السبعين.
• في كثير من الحالات، يكون أحد الزوجين قد تغير، أو تطورت نظرته للحياة، في حين أن الآخر بقي عالقًا في دور نمطي قديم.
لكن في المقابل، هناك رفض اجتماعي قوي لهذه الفكرة، خاصة في المجتمعات التي تربط الزواج بالواجب الدائم، بغض النظر عن رضا الطرفين أو رغبتهم في الاستمرار.
هل سيكون التقاعد الزوجي اتجاهًا مستقبليًا؟
مع تغير الأجيال، وازدياد وعي الأفراد بحقوقهم النفسية والعاطفية، قد يصبح التقاعد الزوجي خيارًا مشروعًا، بل وحتى مقبولًا اجتماعيًا. فمن حق أي شخص أن يقرر كيف يريد أن يقضي ما تبقى من عمره، سواء كان ذلك في ظل زواج تقليدي، أو عبر البحث عن مساحة خاصة يعيش فيها بسلام.
في نهاية الجلسة، نظرت القاضية إلى فاطمة وسألتها:
“هل فكرتِ في تبعات هذا القرار؟”
أجابت بابتسامة هادئة:
“لقد أمضيتُ حياتي أفكر في الآخرين. أعتقد أنه حان الوقت لأفكر في نفسي.”
*ما رأيك في هذا المفهوم؟ هل يمكن أن يكون حلًا لبعض الأزواج الذين يشعرون بأنهم “استنزفوا” في العلاقة؟
*محام بهيئة الرباط

 

شاركها LinkedIn