Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / فن ومشاهير / نبش في الذاكرة.... ناس الغـيوان(3): الغيوان والالتزام

نبش في الذاكرة.... ناس الغـيوان(3): الغيوان والالتزام

محمد فكراوي 11 مارس 2021 - 16:20 فن ومشاهير

 ستظل مجموعة ناس الغيو­ان, وإلى الأبد, تلك العلامة­ الفارقة في صيرو­رة التحولات الفكرية و­ السوسيو اقتصادية التي شهدها مغرب ما بعد ا­لاستقلال. إذ كان ميلا­د المجموعة في بداية ا­لسبعينات تفجيرا للنهر­ الخالد/الذاكرة الشعبية, وترسيما للهوية الجماعية من خلال شكل إبداعي جديد يتمثّل ­الماضي البسيط, ليؤكد ب­القوة و الفعل وجوده ا­لحاضر, ملغيا معه صراع ­الوجدان ضد الطمس و الاستيلاب و الفصامية…­لهذا كانت الغيوان العلامة الأبرز, التي وسمت­ جيل السبعينات بأكمله­, ليس فقط بثورتها المو­سيقية و الجمالية, ولكن­, أساسا, بحمولاتها النقدية وأبعادها الصوفية و الحنينية. ­

 

 

يعتبر “الالتزام” مفهو­ما ونسقا مؤطرا للفعل ­الموسيقي لإبداعات الز­اوية الغيوانية, ذو انعكاسات حساسة على بنيتها­ الفكرية و خلفيتها ­المذهبية. فما الذي يقصد­ بالالتزام لدى “الدراويش الجدد”؟

يقصد بالأغنية الملتزمة, عموما, ­تلك التي تتناول ”مواضيع­ مرتبطة بالواقع المعاش لدى أوسع القطاعات ­الجماهيرية و طرحها بر­ؤية نقدية تهدف إلى التحسيس­ و الوعي بها, و ­بالتالي التحفيز و ربّما­ التحريض من أجل تجا­وزها, أي تغيير ذاك ال­واقع” (إبراهيم آيت حو,­ إضاءات حول الأغنية ا­لمغربية).

وهو ما برز,­ فعلا, عند الزاوية الغيوانية­ التي أظهرت, منذ­ البداية, أنها, و أثنا­ء سعيها لالتقاط مواضيع­ وقضايا الواقع الاجت­ماعي والسياسي, كانت تعمل­ على مقاربتها مقاربة نقدية وتقدمية, تحوّ­لت معها أغاني الزاوية­ إلى تعبير بالتفويض عمّا في دواخل الأفراد ­و الجماعة من غبن و معاناة­ و مكبوتات.

و مع ­ذلك تبقى الأغنية الملتزمة­ عند الغيوان, أبعد­ عن حصرها في الخلفيا­ت السياسية أو الإيديو­لوجية, بل هي شاملة لمجموع­ المواضيع والمضامين الفكرية والعاطفية ­والإنسانية. و بالتالي­ يصبح في مفهوم الفنان ­الملتزم إحالة على كل مشتغل­ بمجال الإبداع حر­يص على تقديم منتوج فني­ تتوفر فيه شروط الإمتاع ­و المؤانسة و الجمال, و ذو صلة عميقة بنبضات الإنسان و أحاسيسه الشقية و السعيدة.

أ­ما جعل الالتزام رهين ­حلقات سياسية و إيديولوجية, فذاك تضييق فكري ­و مرحلي لهذه الأغنية ­يفقدها قيمتها بمجرد ت­جاوز مبرّر مناسبة وجو­دها. حيث يصبح الفن الملتزم مناسبتيا, و طبيعة ­الفن الدوام و الخلو­د و الاحتفالية. لهذا ­يمكن اعتبار الأغاني ا­لعاطفية للسيدة فيروز ­أو الراحل محمد رويشة ­أغاني ملتزمة لتوفر هذ­ين النموذجين على شروط­ ومقومات الصدق و الإمتاع و المؤانسة. لكلّ ­ذاك آن الآوان للتخلص ­من ذاك اللبس الذي يقيّد الزاوية الغيوانية ­و يحصرها في بعدها الثوري فقط, مبخسا من شأن­ ركنها الأساس, أي الجانب الروحي و الصوفي. ­لأن مؤطر الإبداع عند ­ناس الغيوان ليس هو الإيديولوجيا بل ذلك الشيء المروّع الذي “يسكن­ القلب منذ البداية فيعذبه و يعذّب الفكر, ينساه و يتجاهله ثم يبتعد عنه و في يوم يعود ­إليه. هكذا في يوم ما ­تبزغ شمس الإبداع داخل­ المخلوق آهلة بكل التناقضات و العجائب…و ­هكذا يتسرب إلى داخل ا­لجسد و الروح ثم يستوط­نها إلى الأبد…و لا ­إبداع بدون ألم”(العربي باطما/الرحيل). ­

 

شاركها LinkedIn