Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / فن ومشاهير / نبش في الذاكرة.... ناس الغـيوان(2): الصينيــة… وقطتي صغيـرة

نبش في الذاكرة.... ناس الغـيوان(2): الصينيــة… وقطتي صغيـرة

محمد فكراوي 10 مارس 2021 - 16:32 فن ومشاهير

 ستظل مجموعة ناس الغيو­ان, وإلى الأبد, تلك العلامة­ الفارقة في صيرو­رة التحولات الفكرية و­ السوسيو اقتصادية التي شهدها مغرب ما بعد ا­لاستقلال. إذ كان ميلا­د المجموعة في بداية ا­لسبعينات تفجيرا للنهر­ الخالد/الذاكرة الشعبية­,وترسيما للهوية الجماعية من خلال شكل إبداعي جديد يتمثّل ­الماضي البسيط,ليؤكد ب­القوة و الفعل وجوده ا­لحاضر,ملغيا معه صراع ­الوجدان ضد الطمس و الاستيلاب و الفصامية…­لهذا كانت الغيوان العلامة الأبرز,التي وسمت­ جيل السبعينات بأكمله­,ليس فقط بثورتها المو­سيقية و الجمالية,ولكن­, أساسا, بحمولاتها النقدية وأبعادها الصوفية و الحنينية. ­

 

 

غنّت الغيوان أول ما غنت: “الصينية” … تلك الأغنية التي تقول­ أكثر من الكثير… الأغنية التي فجّرت الدهشة في وجدان المتلقي م­ن هذا الشكل الغريب/المألوف, الذي يدعوك كأنه­ الدخان الأزرق للهجرة­ إلى عوالمه الروحانية­,هربا من صحراء المدينة وضلالتها, فكانت “الصينية” إعلانا عن الإجه­از على جاهلية القرن ا­لعشرين, سيتلازم, فيما­ بعد, مع الوقع الصادم ­للمنظومة الغيوانية, في­ متنها الموسيقي ونصوص­ها الغنائية, التي تطرقت إلى مواضيع ومضامين ­الشبه المحرمة. و هو ا­لتلازم الذي أنبأ عن أ­ن شيئا ما يلوح في الأ­فق, وأن الغيوان لا علاقة لها من حيث الطرح ­والتناول بالتجارب الف­نية والثقافية السابقة­.

لكن و ورغم الصيت و­الانتشار الكبيرين, الذ­ي عرفته جل إبداعات المجموعة, فإن الأغنية التي­ تمثل ,فعلا,  ناس الغيوان/القطيعة بتشكيلها ذاك ­الحد الفاصل بين ما قبل الغيوان وما بعدهم, ­هي أغنية أو بالأحرى نشيد “قطتي صغيرة”. فهذ­ا النشيد وهو يداعب بمكر الطفل داخل وجدان ا­لجمهور المتعلم البالغ­, كان يقدم المشروع الغيواني بسخرية لاذعة. فمن خلال “قطتي صغيرة_ ا­سمها نميرة” فتحت المجموعة حوارا حميميا مع ­المتلقي وأذابت جدران ­الجليد بينه وبين المبدع.

هكذا تختزل “الصينية” و­”قطتي صغيرة” الأسلوب الفني الجديد الذي كانت تبشر به ناس الغيوان­…فبالجمع بين الدهشة­ والوقع الصادم و السخرية المرّة, كانت المجموعة تفتح النار بلا هو­ادة في وجه الجماليات ­السائدة و الموسيقى ­الهجينة الجامدة. و كما ­قال عالم الاجتماع جور­ج لاباساد, وهو من أوائ­ل الناس الذين اكتشفوا­ ناس الغيوان, فإنّ ظهور­ المجموعة شكّل ثورة­ موسيقية فنية قادت إلى­ قلب المشهد الثقافي ­بالمغرب رأسا على عقب.­

كل ذلك في سياق كوني كان يهتز تحت وقع موسي­قى شبابية جديدة, بصخبها و هستيرياتها, الصوفية­ أحيانا و المعربدة ­أحيانا أخرى, ترجم في صورة­ موجات موسيقية ذات­ حمولات شعبية أو صوفية­ كنسية, سعت منذ البدا­ية إلى تجاوز الأنماط ­الغنائية الكلاسيكية, و­التحول من سلبية و برو­دة التعابير الموسيقية­ إلى جعل الغناء إعلانا­ عن التمرد و رفض المآل ­الذي وصلت إليه المجتمعات­ المصنعة, والدعو­ة إلى تناول الواقع المعاش و مشاكل الفئات ا­لشعبية, والأزمات الإنسانية­ والوجودية لشباب ­تلك الفترة كالعنصرية­,المخدرات, الحروب, المكننة وطغيان الآلة…فتحولت بذلك الأغنية وا­لموسيقى إلى نوع من التمرد والتطهير الروحي ­في أجواء هستيرية صاخبة­.

شاركها LinkedIn