Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / أخبار الصحراء المغربية / الصحراء المغربية من زاوية الرؤية الملكية: حين تتحول المبادرة إلى مسار دولي للحسم

الصحراء المغربية من زاوية الرؤية الملكية: حين تتحول المبادرة إلى مسار دولي للحسم

كيوسك أنفو 19 أبريل 2025 - 21:31 أخبار الصحراء المغربية

الدكتور عبد النبي عيدودي

من مبادرة حكم ذاتي إلى مشروع جيوسياسي متكامل: كيف تحولت الرؤية الملكية إلى نقطة ارتكاز في المشهد الإقليمي والدولي؟

حين أطلق جلالة الملك محمد السادس، سنة 2007، مبادرة الحكم الذاتي كحل نهائي لقضية الصحراء المغربية، لم يكن ذلك مجرد رد فعل سياسي ظرفي، بل كان إعلاناً عن تحوّل استراتيجي بعيد المدى، يزاوج بين الواقعية الدبلوماسية والطموح التنموي، ضمن رؤية ترتكز على الحكمة والعمق التاريخي والاستشراف الجيوسياسي.

لكن، كيف استطاعت هذه المبادرة أن تصمد أمام تعقيدات النزاع، وتفرض نفسها كمرجعية دولية؟ وهل نحن بصدد تتويج تاريخي لمسار طويل من التبصر الملكي؟ أم أن المرحلة الحالية تتطلب تعزيزًا إضافيًا للجبهة الداخلية والدبلوماسية لمواكبة زخم الحسم الدولي؟

1. الاعترافات الدولية: من دعم لفظي إلى رسوخ عملي

لقد رافق إطلاق مبادرة الحكم الذاتي تصاعدٌ نوعي في وتيرة الدعم الدولي للمغرب، لم تقتصر فقط على بيانات التأييد، بل تطورت إلى قرارات سيادية لدول وازنة في المنتظم الدولي. الولايات المتحدة، الإمارات، السعودية، فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، الأردن… قائمة طويلة من الدول التي لم تكتف بإعلان الدعم، بل انخرطت فعلياً في ترجمة مواقفها عبر فتح قنصليات في العيون والداخلة، في خطوة تعادل من حيث الرمزية السيادية أعلى درجات الاعتراف الواقعي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

لكن ما دلالة هذه الاعترافات؟ وهل تعكس قناعة استراتيجية بهذه المبادرة، أم أنها امتدادات لمحاور جديدة في التوازنات الدولية؟

الأرجح أن السياقين حاضران: فمقترح الحكم الذاتي تمكّن من الصمود زمنياً أمام كل المناورات، ونجح في التكيّف مع التحولات الإقليمية، ما جعله – في نظر العواصم المؤثرة – الجسر الممكن الوحيد بين الواقعية السياسية والحق التاريخي.

2. التنمية كآلية للتحصين: الصحراء تتحول إلى مختبر للتنمية الشاملة

ما يميز المقاربة المغربية، كما يوضح الدكتور عبد الله عيدودي، هو أن مشروع الحكم الذاتي لم يُطرح كمجرد وثيقة سياسية، بل كمدخل لمشروع مجتمعي وتنموي غير مسبوق. لم تكتف الدولة بترسيم السيادة، بل جعلت من الأقاليم الجنوبية نقطة انطلاق لسياسات عمومية متقدمة، من شبكات البنية التحتية، إلى الجامعات والمستشفيات، فمحطات تحلية المياه والطاقة المتجددة.

 

هل يكفي هذا التحول التنموي لقطع الطريق على الأطروحات الانفصالية؟

الجواب لا يتعلق فقط بالبنية، بل بالسكان. فالمجتمع الصحراوي أصبح شريكًا فاعلًا في صياغة النموذج التنموي المحلي، ما يعني أن أي مشروع آخر خارج الشرعية المغربية، لم يعد يملك أرضية اجتماعية صلبة يمكن أن يرتكز عليها.

3. زلزال الاعتراف الأمريكي: اتفاق أبراهام وتحول المشهد الجيوسياسي

الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، الذي جاء ضمن سياق اتفاقات أبراهام، لم يكن مجرد إعلان سياسي من إدارة ترامب. بل شكل – كما يصفه عيدودي – “زلزالاً دبلوماسياً”، قلب موازين الخطاب الأممي حول الملف. فهو أول اعتراف دائم وواضح من قوة عظمى، تبعته تحولات في مواقف دول أوروبية كانت حتى وقت قريب تمسك العصا من الوسط، كما هو حال فرنسا وإسبانيا.

لكن هل كان الاعتراف الأمريكي نتيجة مباشرة للتقارب المغربي الإسرائيلي؟ أم أن واشنطن كانت تبحث عن استقرار حقيقي في شمال إفريقيا؟

في كلا الحالتين، يظهر أن المغرب فهم جيدًا كيف يوظف اللحظة الدولية لخدمة قضيته الأولى دون أن يفرط في مبادئه. وهذا ما أعاد تشكيل علاقة المغرب مع شركائه من موقع قوة وندية.

4. إحاطة ديمستورا الأخيرة: نهاية مرحلة التنازع؟

في إحاطته الأخيرة، وصف المبعوث الأممي ستافان ديمستورا الوضع حول الصحراء المغربية بأنه يشهد “تغيرات ملموسة”، مشيدًا بـ”المساعي الجادة” التي يقودها المغرب. هذه الإحاطة، وإن لم تكن إعلانًا مباشرا عن الحسم، إلا أنها تمثل، كما يرى عيدودي، ضربة قاضية لأطروحة تقرير المصير، ومرحلة جديدة في طريقة تعامل الأمم المتحدة مع الملف.

لكن، هل تعني هذه الإحاطة أن الأمم المتحدة باتت أقرب إلى اعتماد الحكم الذاتي كمرجعية للحل النهائي؟

الجواب يظل مرهونًا بتطورات موقف الجزائر، الطرف الحقيقي في النزاع، والذي لا يزال يتمسك بخطاب جامد، لم يعد يلقى صدى حتى داخل المنابر الأممية. ومع اتساع عزلة الطرح الانفصالي، تبدو الأمم المتحدة مدفوعة اليوم أكثر من أي وقت مضى لطرح تسوية واقعية ترتكز على الأرضية المغربية.

خاتمة: من التبصر الملكي إلى زمن الحسم

إن ما يحدث اليوم في ملف الصحراء ليس وليد التحولات الدولية فحسب، بل هو ثمرة تبصر ملكي بدأ مبكرًا، وتجلّى في مواقف حاسمة منذ إطلاق مبادرة الحكم الذاتي. لقد راهن المغرب على السلم، وعلى الدبلوماسية الواقعية، لكنه في المقابل أسس على الأرض مشروعًا متكاملاً، لا يقبل العودة إلى الوراء.

فهل نحن أمام آخر فصول النزاع؟ وهل سيدفع المجتمع الدولي نحو فرض حل نهائي بعد سنوات من المماطلة؟

الأكيد أن المغرب، برؤية ملكية استراتيجية، استطاع أن ينقل الملف من زاوية التنازع إلى أفق الحسم. والمسؤولية الآن تتطلب تعزيز الجبهة الداخلية، ومواصلة تقوية الجبهة الدبلوماسية، ومواكبة ما يشبه لحظة تاريخية نادرة، حين تصطف الجغرافيا والتنمية والدبلوماسية والسيادة في نقطة واحدة: الصحراء المغربية.

شاركها LinkedIn