د. محمد شقير
شكل إعلان قيادة حزب الأصالة والمعاصرة انتخاب قيادة جماعية للحزب ضمّت في عضويتها كلاً من الرئيسة السابقة للمجلس الوطني للحزب وزيرة الإسكان في حكومة عزيز أخنوش، فاطمة الزهراء المنصوري، ووزير الثقافة والشباب محمد مهدي بنسعيد والبرلماني صلاح الدين أبوغالي،مفاجأة للعديد من المتتبعين والمهتمين بالشأن السياسي بالمغرب ، حيث اعتبروا ذلك سابقة من نوعها في المشهد السياسي المغربي تذكر بالقيادة الجماعية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في بداية ستينيات القرن الماضي ، كما اعتبروا ذلك سابقة في تاريخ حزب تميز منذ تأسيسه بتفرد متميز في تجديد أمنائه العامين ، حيث تعاقب على رئاسته ستة أمناء عامين في ظرف 16 سنة في مشهد سياسي عادة ما يتم خلود رؤساء معظم الأحزاب في مناصبهم القيادية لممد طويلة .
مما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا ‘الاجتهاد التنظيمي لحزب يعتبر ثاني قوة سياسية في الائتلاف الحكومي ويمر بأزمة أخلاق سياسية تتعلق بمتابعة بعض أعضائه بقضايا تهم الاتجار في المخدرات ، والتحديات التي ستواجه التسيير الجماعي لهذا الحزب.
دوافع تنزيل القيادة الجماعية
يبدو بعض أعضاء الحزب في قضية إسكبوار الصحراء قد أرخت بظلالها على سير هذا التنظيم على الرغم من محاولة القيادة التزام الصمت أو محاولة التخفيف من آثار هذه الصدمة السياسية التي ألمت به خاصة وهو يشكل المكون الرئيسي لحكومة أخنوش ويتقلد مسءولية تسيير العديد من المجالس الجهوية والجماعية . وقد ظهر ذلك بالخصوص في تصريح المنسقة الوطنية للحزب خلال مؤتمر صحفي عقب انتهاء المؤتمر الوطني الخامس للحزب، ان “حزب الأصالة والمعاصرة ليس فوق القانون ، مشددة على أن القضية تعني فردين فقط ولا تعني الحزب”.
ونقل موقع القناة الثانية الحكومية، عن المنصوري رفضها كـ “قيادة وقواعد”، أي اتهامات لحزب الأصالة والمعاصرة ، في ملف اسكوبار الصحراء الذي يضم كذلك مسؤولين أمنيين وموثقين”. و”ان القيادة الحزبية لم تكن على دراية بأي معطيات حول الملف”. وفي أول رد على رسائل عبد الإله بنكيران الذي اعتبر “الأصالة والمعاصرة حزب المخدرات” ، شددت المنصوري على احترامها لبنكيران بصفته رئيسا سابقا للحكومة.ولكن طرحت إمكانية متابعته قضائيا كأمين عام لحزب العدالة والتنمية . حيث أشارت المنصوري إلى “حاجة الرأي العام الى جواب من لدن السيد بنكيران حول اتهام الحزب بالمتاجرة في المخدرات ، خصوصا حديثه عن .
معرفته لهذا الامر منذ سنوات ، وهو ما يستدعي استماع القضاء له” .ويبدو أن هذه الأزمة قد لعبت دورا كبيرا في اللجوء إلى هذه التخريجية التنظيمية ، حيث أن أعضاء هذه القيادة الجماعية لم يرغب أن يتحمل لوحده مسؤولية هذه “الفضيحة السياسية” التي تم إلصاقها بعبد اللطيف وهبي والتي كانت ، على ما يبدو، سببا رئيسيا في إبعاده عن أي ترشيح لولاية ثانية نظرا لارتباطه بعضوي الحزب المتورطين في هذه القضية نظرا لأنه كان يشرف على شؤونهما القانونية والقضائية.
كما أن هذه التخريجية التنظيمية قد سمحت برأب الصدع مؤقتا بين أعضاء الحزب الذين اختلفوا حول تعامل قيادة الحزب مع تدبير هذه القضية ولعل هذا يستشف من تصريح محمد مهدي بنسعيد بعد انتخابه عضوا ضمن الأمانة العامة الجماعية للحزب عندما قال بأنه “بكل فخر واعتزاز ننهي محطة تنظيمية جديدة في تاريخ حزبنا، حزب الأصالة والمعاصرة، هذه المحطة ستكون نهايتها حتما بداية لأفق جديد يوحي بالتفاؤل وزرع بذور الثقة والمشاعر الصادقة بين مناضلي ومناضلات الحزب..
لقد كانت أيام المؤتمر قليلة لكن التحضير لها وتنظيمها وإيجاد أفضل صيغة ممكنة لمخرجاتها كان صعبا وشاقا وطويلا …لقد قطعنا على أنفسنا وعدا أن نتجاوب مع مطالب المواطنين وتخوفاتهم أولا، ومع مطالب “الپاميين” والمتعاطفين مع الحزب الذين كانوا يتنظرون إشارة إيجابية من قيادتهم ثانيا ولهذا قررنا جماعيا خلال دورة المجلس الوطني الخروج عن المألوف والعادي لنبتكر ونطرح مشروعا جديدا في الساحة السياسية ألا وهو مشروع “القيادة الجماعية” البعيدة عن الفردانية في اتخاذ القرارات وفكر “الزعيم” وشخصنة المشروع والنقاش”.
أنه بالإضافة إلى هذه العوامل ، فقد كان عدم الحصول على تزكية سياسية من طرف صانع الخريطة السياسية والحزبية بالمغرب تأثير كبير في بلورة هذه التخريجة التظيمية .
إذ أن انتخاب الأمناء السابقين كان يتم وفق هذه التزكية القبلية الشيء الذي افتقد في ملابسات المؤتمر الخامس للحزب نظرا لملابسات قضية التورط في قضية اسكوبار الصحراء . فهذا التوجه ، كما أوضح ذلك إسماعيل حمودي التوجه مؤشر على أحد أمرين في علاقة الحزب بالسلطة، “إما أن الحزب صار ساحة لأكثر من جهة في السلطة، أو إن السلطة تركت الحزب لشأنه، ما جعله هذه المرة عاجزا عن تنظيم مؤتمر يكون فيه الحكم لصندوق الانتخاب باعتباره آلية ديمقراطية لحل الخلافات”.
ولعل ما يدعم هذا السياق تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي أكد أن “هناك تعليمات ملكية وراء التحقيقات القضائية الأخيرة الموجهة ضد بعض الشخصيات العامة والمنتسبين وأصحاب النفوذ. مشيرا إلى رسالة الملك إلى البرلمان بشأن مدونة الأخلاق والسلوك تعتبر توبيخًا للأحزاب السياسية، معتبرًا أن بعض هذه الأحزاب تستضيف أفرادًا يشتبه في تورطهم في تجارة المخدرات.”
تحديات تنزيل القيادة الجماعية
أجمعت تصريحات بعض قياديي الحزب بأهمية هذه القيادة الجماعية للحزب ، حيث اعتبر الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، أن القيادة الثلاثية الجديدة تتسم بالمناصفة ” بالمناصفة التي ندافع عنها داخل الحزب ” في اعتبرت المنسقة الوطنية للقيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، فاطمة الزهراء المنصوري، “إن المؤتمر الخامس لحزب الأصالة والمعاصرة يعد محطة تنظيمية مهمة كانت منتظرة وناجحة”.
نظرا « لعدم وجود أي أزمة داخل صفوف الحزب، بل على العكس من ذلك فإن الحزب يؤكد إنجازاته ويصحح مساره ليسير قدما بالمغاربة وطموح المواطنات والمواطنين ».حيث سجلت أن المؤتمر الخامس لحزب الأصالة والمعاصرة مر في أجواء جيدة، مع حضور مهم للمؤتمرات و المؤتمرين الذين تجاوز عددهم الثلاثة آلاف، مشيدة بمستوى النقاش بين أعضاء الحزب داخل اللجان.
في حين أوضح مهدي بنسعيد أن المجلس الوطني للحزب صادق على فكرة القيادة الجماعية، وليس ذلك فحسب، بل انتخب أربعة أبناء للحزب ومنتوج خالص للمشروع الپامي شبابا ونساء في هذه القيادة، ثلاثة منهم في القيادة العامة وواحدة على رأس المجلس الوطني.مؤكدا على أنه” اختيار ليس اعتباطي، بل هي رسالة موجهة لشباب الحزب أولا مغزاها أن هناك آفاق داخل هذا التنظيم ومستقبل في العمل الحزبي ورسالة موجهة للشباب المغربي عامة مغزاها أن هناك حزب متجدد ينصت لهم ويثق فيهم ومستعد ليقلدهم مناصب المسؤولية”.
بينما أعرب صلاح الدين أبو الغال أن القيادة الجماعية ابتكار وسابقة في تاريخ البام خاصة والمشهد الحزبي الوطني بشكل عام؛مبرزا أن وصوله لهذا المصاف على مستوى المسؤولية؛ جاء بعد مسار في صفوف الحزب يمتد ل 15 عاما؛ تدرج خلاله في العديد من المهام والمسؤوليات (عضو المكتب السياسي؛ الأمين الجهوي للحزب بجهة الدار البيضاء سطات؛ رئيس مجلس جماعي؛ نائب برلماني). مؤكدا أنه ترعرع داخل صفوف البام الذي يفتح أبواب القيادة والفرصة لجميع المغاربة وضمنهم مناضلات ومناضلي الحزب في تحمل المسؤوليات وغيرها.
بينما كشفت نجوى ككوس” أن الجديد الذي جاء به الحزب بخصوص ابتكار أمانة عامة على رأسها منسقة قيادية من مستوى عال هو نتاج نقاشات وتدافع سياسي إيجابي داخل قلعة البام، مشيدة بالتجربة الجديدة لتدبير جماعي للحزب، معتبرة أن الزمن كفيل بالإجابة على التساؤلات المطروحة بهذا الخصوص.”
لكن إجماع أعضاء القيادة على أهمية هذا النظام يواجه عدة صعوبات تهم بالأساس عدم تجاوب هذا النظام مع أحد مرتكزات المنظومة الحزب بالمغرب والمتمثلة في الشخصنة ، فقد فقد درج المغاربة على ربط الكثير من الأحزاب السياسية في المغرب بأسماء زعمائها وقيادييها، حتى إن عدداً منها لا يتم الحديث عنها من دون ذكر أمينها العام، إذ لا يوجد حزب مغربي أفلت من ظاهرة الشخصنة.
فمنذ البدايات الأولى للعمل السياسي بالبلاد، ارتبطت الأحزاب بشخصية مؤسسيها أو قيادييها، وهكذا عُرف حزب الاستقلال كثيراً بشخص الراحل علال الفاسي، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بشخص عبد الله إبراهيم، والاتحاد الاشتراكي بعبد الرحيم بوعبيد، ثم عبد الرحمان اليوسفي، والاتحاد الدستوري بالمعطي بوعبيد. بينما ارتبط حزب الأصالة والمعاصرة بفؤاد عالي الهمة، رغم استقالته من هذا الحزب بعدما أصبح مستشارا للملك وحزب العدالة والتنمية بأمينه العام الحالي عبد الإله بنكيران. من هنا سيكون تمثل حزب الأصالة والمعاصرة بقيادته الثلاثية من طرف الرأي العام أو حتى الفرقاء السياسيين صعبا وسيزداد صعوبة خلال الحملات الانتخابية .
كما نظام القيادة الثلاثية تتناقض مع بعض مقتضيات قانون الأحزاب ، حيث أن نجاح الحزب في إضفاء تعديل على نظامه الأساسي بإقحام هذه التخريجية التنظيمية ، فمقتضيات قانون الأحزاب الا تنص على أي نظام للقيادة الجماعية بل تنص على شخص المسؤول الوطني للحزب .
وبهذا الصدد اعتبر أحمد البوز أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي الرباط، أن توجه حزب الأصالة نحو إقرار قيادة جماعية تعبير عن انتقال الأزمة داخل الحزب من كونها أزمة سياسية إلى كونها ازمة تنظيمية.
موضحا أن هذا التوجه يمكن تسميته “باللامسؤولية المنظمة”، أي أن الحزب “سيصبح محكوم بأكثر من رأس وبأكثر من اختيار، وبالتالي سيقع نوع من تشتيت المسؤوليات والمخاطبين، لكن ذلك يتم بقرار من المؤتمر والحزب نفسه”.مشيرا إلى أنه “كان من الممكن أن نتفهم لجوء الحزب لمثل هذا الإختيار، لو أن وهبي استكمل ولايتين، ووقع بعد ذلك نوع من الفراغ التنظيمي، والحاصل أن أمينه العام له إمكانية الترشح لولاية جديدة.”
وبالتالي خلص إلى نظام القيادة الجماعية “يعتبر خطوة تراجعية في الحقل الحزبي المغربي، والذي عرف منذ بداية الألفية، نوع من التداول على المسؤولية الحزبية، حيث انتقلنا من زعيم الضرورة الذي يبقى خالدا إلى أن تتدخل العناية الإلهية، إلى متنافسين لولايات محدودة”. كما أنه عمليا ظهرت أولى مصاعب تنزيل هذا النظام عندما سئلت عن استمرار الحزب داخل الحكومة أجابت بأن “المجلس الوطني هو من له الحق في اتخاذ القرار في البقاء أو الخروج من الحكومة وليس القيادة الجماعية للحزب”.
في حين اعتبرت الباحثة كريمة غراض أن “القيادة بشكلها الحالي ستطرح إشكالات تنظيمية مثلا، بخصوص المشاركة في اجتماعات التحالف الحكومي، استقبال الوفود الأجنبية، رئاسة الندوات الصحفية، الناطق الرسمي باسم الحزب، ترؤس أشغال المكتب السياسي، التفاوض أثناء التعديل الحكومي المرتقب، رئاسة اجتماعات الفريق البرلماني وهكذا…”.