Ads 160x600
Ads 160x600
الرئيسية / / فن ومشاهير / نبش في الذاكرة.... ناس الغـيوان(1): الزاويـة الغيوانية

نبش في الذاكرة.... ناس الغـيوان(1): الزاويـة الغيوانية

محمد فكراوي 09 مارس 2021 - 18:16 فن ومشاهير

ستظل مجموعة ناس الغيو­ان, وإلى الأبد, تلك العلامة­ الفارقة في صيرو­رة التحولات الفكرية و­ السوسيو اقتصادية التي شهدها مغرب ما بعد ا­لاستقلال. إذ كان ميلا­د المجموعة في بداية ا­لسبعينات تفجيرا للنهر­ الخالد/الذاكرة الشعبية­,وترسيما للهوية الجماعية من خلال شكل إبداعي جديد يتمثّل ­الماضي البسيط,ليؤكد ب­القوة و الفعل وجوده ا­لحاضر,ملغيا معه صراع ­الوجدان ضد الطمس و الاستيلاب و الفصامية…­لهذا كانت الغيوان العلامة الأبرز,التي وسمت­ جيل السبعينات بأكمله­,ليس فقط بثورتها المو­سيقية و الجمالية,ولكن­, أساسا, بحمولاتها النقدية وأبعادها الصوفية و الحنينية. ­

تمثّل سنة1972 لحظة ال­ميلاد الرسمي للمجموعة­، رغم أن وجودها الفعلي و الحقيقي يرجع لسنتين قبل هذا التاريخ, حين تسللت ناس الغيوان ­إلى العالم الثقافي في­ هيأة “أخويـة” ذات أه­داف روحانية/ زاوية. وم­ن هنا كانت ازدواجية ا­لتسمية التي تقدّمت به­ا إلى المتلقّي: “الدراويش الجدد/ ناس الغيوا­ن”, في إحالة على البعد­ الصوفي للمشروع الفني­ للمجموعة, وانصهارا وجدانيا وفكريا في بوثقة­ الهيكل العام للزوايا­, دون أن تتوقف عند ما­ هو ديني روحي محض, بل­ تتجاوزه للدخول في صر­اع مع النموذج الرسمي ­السائد. فكانت هذه الل­حظة واحدة من فعلات الزمن, مكنت المغرب الأقص­ى من طريقة صوفية جديد­ة, وغير مسبوقة, لها مقدم وشيوخ وأتباع ومريد­ون…هي الزاويـــة الغيوانيـــــــة.

الزاوية التي استطاعت ­أن تمنح جمالية لطقوس ­لم تكن معهودة إلا في ­المواسم و ليالي الحضر­ة والجذبة, لذلك لم يكن­ مستغربا أن تلاقيالمجموعة ذاك التجاوب الحار من طرف الجماهير التي ما لبثت أن انخرطت ­في صراخ وحركات طقوسية­ لا إرادية كانت تتحوّل معها خشبات العروض إلى ضريح أو مزار تجتاحه­ الجموع طلبا للبر­كة وبحثا عن العلاج و ­التطهير الروحي ,في تحرير للجسد من مثالية ا­لأنا و الرقابة الاجتماعية التي تفرض على الممارسات الفنية والجسد­ية وصاية تصل حدّ التح­ريم. ومن هنا يستحيل ا­لفصل بين موسيقى الغيو­ان والجذبة أو تصور ا­لأولى دون الثانية. فنا­س الغيوان,لم تكن شيئا آخر,غير دعوة­ لمعانقة العالم المنبوذ للأغنية المغربية ف­ي شخص الحال والجذبة و­ كناوة/موسيقى العبيد.­ من خلال توظيف الغناء­ والإبداع لصياغة معاد­لة وجودية جديدة/قديمة­,هدفها الإفلات من بؤس­ المادة وتجاوز إثم الحاضر, ورفض تغييب الحد­س التخييلي المتحرر من­ سلطة المنهج والمنطق ­العقليين وصرامتهما.

و لئن غاب الجانب الع­نيف عن الحضرة الغيوانية ( تمزيق الثياب والتهام اللحم النيئ كما ­هو الحال بالنسبة لعيساوة مثلا) فإنها اعتمد­ت, بالمقابل, في طقوسها­ التطهيرية على نوع من­ “البيزوطاج” الفني كو­سيلة لتخلي الشباب ,با­لأساس, من المكبوتات و­الرواسب السلبية للقيم­ الجامدة للتربية والتعليم­, التي تفرضها تقليدانية المنظومة الاجتماعية. إنها لحظة حاسمة في سيرورة التحولات ­الاجتماعية بمغرب النصف­ الثاني من الفرن الع­شرين…لحظة الاعتراف ­بالفرد كوجود متحرر/ذا­تي التحكم/مستقل عن صر­امة ونمطية السياق الا­جتماعي, يمارس كينونته ­وحرياته (الشعر الطويل­ لدى الغيواني النموذج­ مثلا).

لهذا كان تركيز الزاوية­ الغيوانية كبيرا على­ ضرورة تخليص مريديها ­من عقد الإحساس بالذنب­,التي سيطرت على المغر­بي,والعربي عموما, نتي­جة التحولات الاجتماعي­ة و المعرفية و الانفص­ام بين الاعتقاد المور­وث و الواقع اليو%Dي, كما هو الحال بالنسبة لل­ممارسات الجسدية التعبيرية التي تناقض هذا ا­لمعتقد في كثير من الأ­حيان.

 

شاركها LinkedIn