اعتبر برنار لاهير ، في خضم دفاعه عن السوسيولوجيا، بأن سوء الفهم الكبير الذي يواجه به هذا العلم راجع بالأساس إلى أنه يحدث جرحا في الصورة التي للإنسان عن ذاته، بل وللمجتمع عن ذاته: فبعد الجرح الكوبرنيكي الذي كشف زيف الاعتقاد بمركزية الارض ، وبعد الجرح الدارويني الذي قوض كل رؤية انسانية منفصلة جذريا عن مملكة الحيوان، وبعد الجرح الفرويدي الذي فرض الاعتراف بأن النشاط النفسي لم يكن واعيا كليا، سيقوض الجرح السوسيولوجي الوهم الذي تبعا له كل فرد هو ذرة منعزلة، حرة وسيدة مصيرها، ومركز مستقل صغير لتجربة في العالم، باختياراته وقراراته وإراداته بدون اكراهات ولا أسباب.
إن السوسيولوجيا في نظر لاهير تذكرنا بأن الفرد ليس كيانا منغلقا و منكفئا على ذاته، ويحمل في ذاته كل مبادئ وكل أسباب سلوكه. وبذلك، فهي تأتي لتعارض كل التصورات السعيدة حول الإنسان الحر، المحدد ذاتيا والمسؤول عن ذاته مسؤولية تامة. وتكشف أيضا عن واقع التباينات ، والتفاوتات، وعلاقات الهيمنة والاستغلال، وممارسة السلطة وسيرورات الوصم…
و في تقاطع هاتين النقطتين المتمثلتين في الجرح النرجسي والمقاومات، يتأسس نقد السوسيولوجيا…
السوسيولوجيا وايجاد الاعذار…سوء الفهم الكبير:
وقد اتُّهِم هذا العلم ، منذ حوالي اربعين سنة، و خصوصا خلال العشرين سنة الماضية، بتبرير أو ايجاد الاعذار للجنوح ، واضطرابات النظام العام، وللجريمة والارهاب، وحتى لما تشهده المدرسة من مظاهر الفشل والهدر المدرسي، أو السلوكات اللامدنية والعنف أو الغياب…الخ. كما لو أن السوسيولوجي عندما يحاول جاهدا فهم الأسباب والشروط التي تجعل الانسان يقترف جريمة ما ، هو عمليا أن يجد له الأعذار والمبررات !!
هكذا، يعتبر أولئك الذين يهاجمون ما يسمونه ” ايجاد العذر السوسيولوجي ” ، بان سعي السوسيولوجيا إلى فهم ظواهر الجنوح والجريمة والارهاب والفشل الدراسي…الخ، هو طريقة لإيجاد العذر وللبحث عن الصفح ، بإسقاط المسؤولية عن الجانح أو المجرم أو الارهابي أو….الخ.
ورد مثل هذا النقد للسوسيولوجيا في كتاب لفليب فال صدر سنة 2015 ( Malaise dans l’inculture”). مؤلف الكتاب الذي، تحمل مسؤولية مدير تحرير سابق ل”شارلي ايبدو Charlie Hebdo”، ثم مدير إذاعة “فرنسا الدولية”، يرجع جانبا من اختلالات المجتمع الفرنسي إلى سيادة ما يسميه “النزعة السوسيولوجية sociologisme “، التي ملأت الدنيا وشغلت الناس واحتلت الاذهان. اللفظ كما يوظفه فليب فال، لا يقصد من ورائه الخوض في السوسيولوجيا وفي انحرافاتها، بقدر ما يسعى إلى محاكمة السوسيولوجيا، باعتبارها تسعى، في زعمه، في تناولها لمواضيعها إلى نزع المسؤولية عن الافراد…
كتاب لاهير بمثابة بيانmanifeste دفاع عن السوسيولوجيا ضد هذه الاستهدافات…