“أي بعوضة شريرة لسعت بنكيران ومن معه..؟”… سؤال يردده المتابعون للمشهد الإعلامي والسياسي الوطني، و هُم يتابعون الخرجة الأخيرة لزعيم حزب العدالة والتنمية التي هاجم فيها بشكل مفاجئ جريدة “الأحداث المغربية”، قبل أن تتبعه في ذلك الأمانة العامة للبيجيدي وتوجه هجوما مماثلا، لم يقف عند حدود الجريدة المذكورة، بل تجاوزها لتصيب نيران رصاصاته المشهد الإعلامي الوطني برمته، الذي قسّمه المصباحيون إلى دار حرب ودار إسلام، إلى فئة ناجية لا تقول ولا تكتب إلا ما يرضي الزعيم ويرضى عنه، وأخرى ضالة عليها لعنة من الله لأنها أزعجت نوم الزعيم المفدى وأيقظته من النوم في العسل.
و واهم من يعتقد أن بنكيران مجرد “هبيل ودواي”، بل الرجل أذكى من ذلك بكثير ويضرب للعبارة ألف حساب قبل أن تغادر عقله وتخرج من بين شفتيه، ومن هذا المنطلق يجب الحكم على ما قاله بنكيران وردده معه مريدوه، هنا وهناك…
إذ لا يمكن قراءة وفهم ما بدر عن الزعيم القديم/الجديد للبيجيدي دون الرجوع للسياق الوطني، والموقع الذي بات يقف فيه حزب المصباح على الهامش من المجتمع الذي اختار يوم 8 شتنبر أن يقلب صفحة 10 سنوات من حكم إخوان بنكيران، مكبدا بذلك البيجيدي خسارة سياسية ومالية باتت تهدده بالإفلاس المالي باعتباره العصب الذي كان يقوم عليه أداؤه الحزبي وجعل منه في لحظة من لحظات القوة الحزبية الأولى بالمغرب، قبل أن يختار الشعب وبشكل سلمي الانقلاب عليه ووضعه في ركن الزاوية.
وضع دفع البيجيديين، عبر توزيع مكشوف للأدوار، يراهنون على تغيير في الوقت بدل الضائع عبر إخراج سعد الدين العثماني من الملعب وإدخال بنكيران، في محاولة يائسة لإنقاذ الحزب من خطر الانقراض الذي بات يتهدده بسبب الضائقة المالية الخطيرة التي يمر منها, فكان أول قرار أعلنه “العائد” هو كتم حرية التعبير داخل الحزب وبيع لسانه لرجال السياسة والأعمال، من خلال دعوته برلمانيي الحزب لعدم انتقاد حكومة عزيز اخنوش، قبل أن يعود يوم السبت الماضي لإرسال مزيد من رسائل الاطمئنان إلى الحكومة في محاولة على ما يبدو للبحث عن نيل الرضى والتمويل الذي يحتاجه لبقاء البيجيدي على قيد الحياة.
ولأنه حزب لا يمكنه أن يحيى ويعيش بعيدا عن “البوليميك”، كان على بنكيران أن يجد لأتباعه موضوعا يلهيهم فيه عن خرجته الغير موفقة سياسيا من حزب المفروض فيه أنه في المعارضة فإذا به يعبر عن دفاع شرس عن الحكومة التي رمت به أحزابها خارج تدبير الشأن اعلام الوطني والمحلي.
هذا “البوليميك” الذي كان يبحث عنه بنكيران سيجده في العدو الأزلي لحزبه وفكره: جريدة “الأحداث المغربية”..
فمن غيرها سيستطيع أن يدغدغ به مشاعر الإخوان ويربط حاضرهم البئيس بماضيهم الذي كان أكثر منه بؤسا؟ ومن غيرها سيساعده في خطة إلهاء الأتباع إلى حين الانتهاء من عقد صفقة بيع روحه وروح من تبعوه إلى من كان يصفه بالأمس القريب بأنه شيطان مريد؟
من هنا إذن كانت الخرجة المدروسة من حيث التوقيت والسياق، التي هاجم فيها عبد الإله بنكيران “الاحداث المغربية”، التي يعول عليها لاستعادة مجد عاش في وهمه للحظات قبل أن توقظه منه صفعة ثامن شتنبر.. ولأجل ذلك كله، فالرجل وهو يسب ويرغي ويزبد أمام أتباعه مهاجما الجريدة، فإنه في الواقع يقول في سره: “شكرا الأحداث المغربية“.