د. سميرة العبدي
تجيز كل القوانين اللجوء إلى الطلاق إن وقع ضرر على أحد الأطراف بسبب سوء العشرة أوالإهمال أو عدم القدرة على الإنفاق أو غير ذلك من الأسباب. لكن المشرعين عبر العالم أجمعوا على اعتبار الطلاق حلالا “بغيضا” لا يجب اللجوء إليه إلا إن استحال التفاهم. فالانفصال – وإن كان يتيح الخلاص من وضع لا يطاق و يشكل بداية جديدة للكثيرين- إلا أنه قد يكون مرادفا للضياع في حال تعجل المتخاصمون أو طال الشد والجذب بينهم حتى فشلوا في تقريب وجهات النظر قبل فوات الأوان.
في مجال كرة القدم – استعارة للمصطلحات و بعيدا عن أي إسقاط “غير شرعي” – يعتبر عقد الشغل المبرم بين النادي و اللاعب رباطا مقدسا يصنف حكام المستديرة فسخه دون سبب وجيه ضمن الكبائر. لكن رغم أن الفيفا لا تسمح بأن يمس مبدأ “استقرار العلاقة العقدية” فهي تبيح طلاقا سريعا في حالة “عدم الإنفاق” أو “الإهمال”.
في هذا الباب يعتبر عدم أداء النادي لأجر اللاعب مدة شهرين متتابعين سببا وجيها لينفصم الميثاق الغليظ. و يكفي أن يمهل الأجير مشغله أجل خمسة عشر يوما لأداء ما بذمته تحت طائلة التوجه للقضاء الكروي بغية المطالبة بفسخ العقد. و رغم أن عدم الوفاء بالدين في المدة المحددة يجعل اللاعب في حكم “الحر” إلا أن نظام التقاضي يكفل للمدعى عليه حق الرد داخل أجل خمسة أيام فقط، لأنه يصنف مسطرة فك الارتباط ضمن القضاء المستعجل.
لكن وجه السرعة لا يمس إلا البث في الشق الرياضي من خلال ظاهر الوثائق، و ذلك بسبب الخطر المحدق بالمستقبل الرياضي للاعب. أما البث في الجانب المالي فيرجأ إلى حين استكمال البحث و استجماع المعطيات تحسبا لأي مساس بحق من يجب في تحديد المستحقات و مراعاة لوضعية اللاعب بعد “إعطائه الحرية” .
قبيـل مسطرة الفسخ يجد اللاعب نفسه غالبا مجبرا على الاختيار الصعب بين قوت يومه من جهة والحفاظ على لياقته البدنية و تنافسيته من جهة أخرى، حيث يلجأ النادي أمام أزمة النتائج أو الموارد أو التسيير إلى أسلوب المماطلة و التسويف للضغط على أجيره من أجل البقاء أو التوقيع على “طلاق اتفاقي” بأقل تكلفة ممكنة. لكن اللاعب لا يتخذ دائما القرار الصائب خصوصا إن لم يكن واثقا من إمكانياته أو ضامنا لعرض أفضل يدفعه لإشهار سيف اللوائح في وجه المسيرين، لأن اللاعب “متوسط القامة” أو الذي يمر بظروف مادية صعبة لا يجرؤ على رفع العارضة أكثر من اللازم و لا يصر على الحرية حتى و لم يعد الوضع داخل النادي مطاقا. لكن هناك طبعا عوامل أخرى تتدخل في الموضوع كسن اللاعب و تجربته و اقترابه من التقاعد و مصاحبته من طرف وكيل رياضي من عدمها.
من جهة أخرى، قد يقرر النادي الاستغناء عن لاعبه لأسباب رياضية أو كردة فعل على مطالبة مشروعة بالمستحقات المالية. في الحالة الثانية (بعيدا عن التعميم أو محاولة تعليق اللوحات القاتمة) غالبا ما يمنع المشغل أجيره من التداريب و المنافسة أو يدفعه للامتناع عنها بنفسه، وذلك إما بعزله عن المجموعة أو عن طريق إلحاقه بفريق الأمل. ومع أن البعض يتجه إلى “شرعنة” هذا السلوك بذريعة التأديب أو عدم الجاهزية البدنية أو تحسين التنافسية أو حتى قياسا على التغيير المؤقت لمكان العمل المنصوص عليه في مدونة الشغل، يبقى هذا السلوك غير قانوني لكونه ماسا بشرط من شروط العقد وهو تحديد طبيعة عمل الأجير كلاعب محترف ضمن الفريق الأول. أما المشاركة أو صفة الرسمية في المقابلات فتبقى من اختصاصات المدرب دون حيف أو “إهمال بّين”.
لهذا سنت الفيفا إمكانية الفسخ الأحادي من طرف اللاعب “لسبب وجيه رياضي” (sporting just cause)، و يتحقق هذا السبب متى شارك لاعب محترف “راسخ” ( established professionnel) في أقل من 10% من المقابلات الرسمية خلال الموسم الرياضي. وعلى الرغم من أن لوائح الاتحاد الدولي لا تعطي تعريفا “للرسوخ في الكرة” إلا أن العمل القضائي على مستوى محكمة TAS الدولية حدد بعض المعايير(كسن اللاعب وإنجازاته و انضباطه) تاركا سلطة تقديرها للمحكمين. أما لاعبونا فلا يعرف معظمهم بوجود هاته المقتضيات ولا يضعونها في الحسبان خلال تدبيرهم لمسارهم الرياضي مباشرة أو عن طريق وكلائهم.
خلاصة، إن كانت عبارات “التسديد” و التركيز على الهدف التي يستعملها مدراء الموارد البشرية في مؤسساتهم مستعارة أصلا من مجال كرة القدم، فقد بدأت هذه العبارات تنقرض في مسقط رأسها، و أصبح اللاعبون يحرصون على مساطرالنزاعات أكثر من حرصهم على الكرة، وهذا طبعا حقهم المشروع في الحفاظ على مصالحهم الرياضية و المادية، لكنه أيضا مؤشر سيئ ينبأ بوجود اختلالات يجب تداركها لا سيما فيما يتعلق بتدبير الموارد البشرية من طرف الاندية.