راسل ائتلاف جمعوي يتألف من 52 جمعية، رئيس لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، بمجلس النواب، فضلا عن الفرق البرلمانية، وذلك بخصوص الجدل الذي لايزال قائما حول مشروع قانون يتعلق بالاحسان العمومي.
المشروع المثير للجدل جرى اعداده من قبل وزارة الداخلية في عهد حكومة سعد الدين العثماني، وذلك في أعقاب الواقعة التي راح ضحيتها 15 شخصا بجماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة بتاريخ 19 نونبر 2017.
الائتلاف الجمعوي المشار إليه، يطالب رئيس اللجنة والفرق البرلمانية بمجلس النواب بتوسيع وتمديد التداول وتأجيل التصويت على مشروع قانون رقم 18.18 بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع مساعدات لأغراض خيرية، المعروض حاليا على أنظار اللجنة المذكورة.
ويشدد الائتلاف على ضرورة توسيع التشاور مع مختلف الفاعلين المؤسساتيين والجمعويين والفاعلين في المجال الاجتماعي والخيري.
والتقى الائتلاف مع ثلاثة فرق برلمانية بمجلس النواب، ويتعلق الأمر بفريق الأصالة والمعاصرة، والتقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، في انتظار مواصلة الاجتماعات مع فرق أخرى.
ووضع الإئتلاف الجمعوي المشار إليه مذكرة ترافعية لدى هذه الفرق، تبلغهم بملاحظات ومطالب الجمعيات ال 52 التي تعمل في مجال الدعم الاجتماعي والخيري والعمل الاحساني.
المذكرة التي اطلع “كيوسك أنفو” على نسخة منها، قالت إن النص المعروض على أنظار لجنة الداخلية بمجلس النواب، “لا يستجيب لتوجيهات جلالة الملك الذي داعا في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، 12 أكتوبر 2018 ل”تبسيط المساطر لتشجيع مختلف أشكال التبرع والتطوع والأعمال الخيرية، ودعم المبادرات الاجتماعية، والمقاولات المواطنة”.
واعتبرت الجمعيات الموقعة على المذكرة أن المشروع “تجاهل كل التوصيات والاقتراحات الواردة في مخرجات الحوار الوطني حول المجتمع المدني والمنظم من قبل الحكومة المغربية ما بين 2013/2014، باستثناء اعتماد مصطلح التبرع العمومي بدل الإحسان العمومي (التوصية 72)”.
وأضافت المذكرة الترافعية أن النص “تجاهل، أيضا، كل التوصيات والمقترحات الواردة في المذكرة الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الانسان حول حرية الجمعيات، والموجهة لرئيس الحكومة نونبر 2015، وتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادر سنة 2016 تحت عنوان “وضع ودينامية الحياة الجمعوية”.
ونبهت الجمعيات المشار إليها إلى أن المشروع المعروض على البرلمانيين للمناقشة “يتعارض مع التزامات المغرب الدولية وخاصة المادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص على أنه “لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين…. لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم…..”، وكما قررها المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين جمعيات في تقريره لسنة 2013، حينما أكد في فقرته 08 على أن “الحق في تكوين الجمعيات لا يقتصر على تمكن الأفراد أو الكيانات القانونية من تشكيل الجمعيات والانضمام إليها بل هو يشمل التماس واستخدام الموارد – البشرية والمادية والمالية – من مصادر محلية وأجنبية ودولية”، وهو ما أكده في تقريره لسنة 2020 المعنون ب ” عشر سنوات في سبيل حماية الحيز المتاح للمجتمع المدني في جميع أنحاء العالم” في الفقرة 18.
وأشارت الوثيقة إلى أن “وضع مناقشة مشروع القانون بالأسبقية بمجلس المستشارين مخالف لمقتضيات الدستور، ذلك أن مضامين مشروع القانون 18.18 تتعلق بالحقوق والحريات العامة وليس بالقضايا الاجتماعية، مما يتطلب وضعه بالأسبقية لدى مجلس النواب وليس مجلس المستشارين”.
وسجلت الجمعيات أن مشروع القانون سلك “منحى التشدد والتقييد المبالغ فيه في وجه الجمعيات لالتماس التبرعات العمومية وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية بصفة عامة”.
ونبهت إلى أن هذا المنحى سيُفضي، لا محالة، إلى حد انسحاب بعض الفاعلين من هذا العمل النبيل وهو ما يتجلى في “إخضاع كل عمليات توزيع المساعدات لأغراض خيرية للرقابة القبلية دون ربطها بتلك المتأتية من حملات دعوة العموم للتبرع”، و”تجاهله لكل الضمانات القانونية للتفعيل السليم لهذا النص، وأهم تلك التدابير، منع تقديم المساعدات للأشخاص المدينين، وتقديم تصريح دون إلزام الإدارة بتسليم وصل في الحال وترتيب الجزاء على الموظف الذي يرفض تمكين الجمعية منه”، و”عدم التمييز بين التوزيع الجماعي والتوزيع الفردي، والتوزيع بالفضاءات العمومية والفضاءات الخاصة بالجمعية”.
فضلا عن هذا، ترى الجمعيات أن المشروع أرهق الجمعيات بتقديم تقارير تفصيلية عن كل عمليات التوزيع، دون مراعاة لاستقلال قراراتها، وأنها شخصية معنوية يجب أن تخضع لرقابة القضاء والجهة المانحة، ودون الأخذ بعين الاعتبار أن عددا من تلك المعطيات من المفروض أن يتم تضمينها في المحاسبة الخاصة بالجمعيات.
ولفتت المذكرة إلى أن اعتماد مساطر معقدة ودون مراعاة لكل المرجعيات السالف ذكرها، وإلزام الجمعيات الساعية إلى دعوة العموم إلى التبرع بضرورة تقديم وثائق ومعطيات، أضحى من المجمع عليه أنها تعود إلى فترة ما قبل تبسيط المساطر الإدارية.
واعتبر الائتلاف أن حرمان الجمعية من إمكانية تخصيص جزء مما جمعته من حملات دعوة العموم للتبرع لتدبير شؤونها، ولا يمنحها هذا المشروع إلا هامشا ضيقا يتعلق بإمكانية تخصيص جزء من التبرعات في حدوده الدنيا لتغطية تكاليف عمليات دعوة العموم إلى التبرع.
وقالت الجمعيات إن إلزامها بتحويل الأموال المتبقية بعد تحقيق الأغراض التي من أجلها جمعت التبرعات إلى مؤسسة خيرية أو جمعية لها نفس الأغراض تحددها الإدارة، أما العقوبات، يضيف الائتلاف، “فرغم ما يمكن أن يقال عنها أنها خالية من العقوبات الحبسية، فمجرد عدم قدرة كل مدان بالعقوبة عن أداء الغرامات الثقيلة، فسوف يكون مصيره الإكراه البدني”.
وتطالب الجمعيات التي راسلت البرلمانيين باعتماد مبدأ التصريح بدل الترخيص، سواء بمناسبة دعوة العموم للتبرع أو توزيع المساعدات لأغراض خيرية، واعتماد الترخيص استثناء خلال دعوة العموم للتبرع في حال تجاوزت القيمة المقرر جمعها مبلغا يتجاوز مليون درهم، وحصر الترخيص في حال كانت الجهة الداعية إلى التبرع شخص ذاتي، فأما الجمعية فهي شخص معنوي ومعترف به قانونا.
ودعا الائتلاف إلى اعتماد سياسة الرقمنة والإدارة الالكترونية في معالجة الطلبات لتدعيم أسس الشفافية بين الإدارة والجمعيات تماشيا مع استراتيجية التنمية الرقمية.
كما طالب المصدر ذاته، بفتح الباب أمام المقاولات الخاصة للتبرع لفائدة الجمعيات، مع خصم المبالغ المتبرع بها من رقم المعاملات الخاضعة للضريبة، انسجاما مع الخطاب الملكي الذي حث على “وضع آليات جديدة لإشراك القطاع الخاص في النهوض بالميدان الاجتماعي، والمساهمة في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، سواء من خلال المسؤولية المجتمعية للمقاولة، أو من خلال إطلاق شراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال”.
ونبهت الجمعيات ال 52 إلى ضرورة التمييز بين طلبات التبرع من العموم، وبين تلقي التبرعات التلقائية التي تعد حقا للجمعيات باعتبارها واردة في قوانينها الأساسية، مع تقييد المقصود بتزامن توزيع المساعدات مع فترة الانتخابات، وجعلها في حدود ثلاثة أشهر قبل انطلاق الحملات الانتخابية.
وشدد الائتلاف على ضرورة تخفيف العقوبات الزجرية والمبالغ المالية التعجيزية المنصوص عليها في مشروع القانون، وتقليص آجال تقديم الإشعارات والتراخيص -في حال الإبقاء عليها-، وكذا آجال الرد عليها، مع التمييز بين توزيع المساعدات لأغراض خيرية بشكل فردي وخاص والتوزيع الجماعي؛ وبين التوزيع في الفضاءات العامة والتوزيع داخل المقرات الخاصة بالجمعيات.
ولفتت إلى ضرورة التعجيل بإخراج النص التنظيمي المؤطر للمحاسبة الجمعوية ضمانا لتكريس التدبير الشفاف لمختلف العمليات المالية للجمعيات، وليس تلك المتعلقة بدعوات العموم للتبرعات أو توزيع المساعدات لأغراض خاصة، والإحالة عليه في مشروع القانون 18/18، واعتماد القواعد التي أقرها القانون 55-19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، وحصر لائحة الوثائق والتقارير المطلوبة بمناسبة الأنشطة المؤطرة بهذا النص، والإحالة على التقارير المصرح بها لدى مصالح وزارة المالية، وكذا المحاسبة الخاصة بالجمعيا.
وبعدما اشتكت الجمعيات من الرقابة على الحسابات البنكية للجمعيات العاملة بالقطاع، طالبت بتدقيق هذه الرقابة على الحساب البنكي وجعله من اختصاص إدارة الضرائب والمحاكم المالية، مع التنصيص على ضمان الولوج العادل للإعلام العمومي عند جمع التبرعات، واعتبار عدم رد الإدارة على طلبات الجمعيات في الآجال المحددة بمثابة موافقة على جمع التبرعات.
وطالبت باستثناء تطبيق هذا القانون على عمليات التبرع الموجهة لمؤسسات الرعاية الاجتماعية، وللدعم الاجتماعي للمتعلمين، أو لتمويل المشاريع موضوع اتفاقية شراكة بين مؤسسات الدولة والجمعيات، وحذف الأشخاص المدينين لأسباب اجتماعية وإنسانية من المحرومين من الاستفادة من دعوة العموم للتبرع وكذا الاستفادة من المساعدات الخيرية، والسماح للجمعيات بتخصيص جزء من التبرعات لتسييرها الإداري.
واعتبرت أن الجمعيات المحصلة للتبرعات، من حقها استعمال الأموال المتبقية في تنفيذ مشاريع لها نفس الأغراض، بعد التصريح لدى الجهات المختصة، مطالبة بعدم ربط الأحكام الصادرة في حق الأشخاص بمصير أنشطة الجمعيات، وتقليص السلطة التقديرية للإدارة، ومنح صلاحيات أوسع للقضاء، سواء بمناسبة دعوة العموم للتبرعات أو توزيع المساعدات لأغراض خيرية.
وفيما يخص العقوبات، طالبت الجمعيات ال 52 بمراعاة التناسب بين المخالفة والعقوبة، والمخالف حسن النية، وبالتالي اعتماد إجراء الإنذار قبل الإحالة على القضاء واتخاذ العقوبة، مع ضرورة ترتيب الجزاء على الموظف العمومي الذي يخالف مقتضيات هذا القانون (عدم تسلم الوصولات في الآجال).