بقلم: عبد الرفيع حمضي
أتخيل الآن الكاتب الجزائري الحائز على الجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية وصاحب “قسم البرابرة”، و”قرية الألمان” بوعلام صنصال وحده في زنزانته وهو يمرر امام عينيه بتقنية (الفلاش باك )شريط مسار حياته الطويلة والممتدة على مسافة 75 سنة .انطلقت عندما قدفته أمه خديجة بمساعدة والده عبد القادر إلى قدره ببلدية كانت هامشا ولازالت (ثنية الحد ) بولاية تيسمسليت بغرب الجزائر على بعد 180 كلم من العاصمة ولم يتذكرها اصحاب القرار إلا منذ بضعة ايام خلت عندما عادت اليها قناة النهار الجزائرية للنبش في تاريخ أسرة بوعلام وللتشكيك في نسبه وفي أخلاق والدته وجدته رحمهما الله .
أتخيله يمر بسرعة على مساره الدراسي وتخرجه مهندسا من المدرسة الوطنية للبوليتكنيك ودكتور في الاقتصاد ليلتحق بوزارة الصناعة ليرتقي إلى درجة مدير عام بها .وبما انه اكتشف انه ليس هناك لا صناعة ولا إرادة للتصنيع احتفظ بمنصبه وأصبح موظفا شبحا فشجعه صديقه الكاتب رشيد الميموني على الكتابة ليفجر بداخله طاقة الإبداع .فأدمن بوعلام صنصال على الكتابة والتأليف ونبغ فيهما .
وكان حينها العسكر في غاية الابتهاج والسرور مع التوفير له كل الإمكانيات لنشاطه الدولي حتى إنّ مسؤولا بديوان قصر المرادية خاطب وزيرا جاء يشتكي من غياب الموظف السامي قائلا : “ان بوعلام شخصية كبيرة وأنه يساعد الدولة لدى العواصم والسفارات الأجنبية والمحافل الدولية، ” اما وزيره الجديد في وزارة الصناعة الهاشمي جعبوب كتب في مقال صحفي ،انه بعد شهور من تعيينه وزيرا سألت
الأمين العام للوزارة :أين هو المدير العام للصناعة؟” تفاجأ من سؤالي وكأنني لامست المحذور، فبدت عيناه جاحظتين وفقد صوته كمن بلع لسانه. أعدت طرح السؤال عليه، فنظر إليَّ باستغراب وكأنني قادم من خارج الزمان والمكان، ثم قال متلعثمًا: “إنه الكاتب (الكبير) بوعلام صنصال.”
الآن أعود وأتخيله واقفا بزنزانته وعيناه لامعتان وهو يمشي ذهابا واياباً وتنتابه رغبة في الهرولة من حين لآخر فيصطدم بالأسوار الباردة فيعود ويجلس ويبدا في مداعبة خصلة شعره الأبيض وهو يتساءل كيف حدث هذا ولماذا حدث .
“هل لمشاركتي في مهرجان بالقدس المحتلة برعاية إسرائيل احتفالا بذكرى قيامها،في الوقت الذي كان الفلسطينيون يحيون الذكرى الرابعة والستين للنكبة،? وهذا ما اغضب قيادتنا الجزائرية (الثورية والقومية ) ؟ يصمت قليلا ويجيب بسرعة :لا اعتقد ذلك فالأمر يعود إلى ماي 2012 ونحن في نونبر 2024 .”
ويستدرك بوعلام :ويقول بصوت خافت أكيد ما أنا فيه الان يعود لموقفي الحاد من كل الأديان ، ومن طريقة ممارسة الإسلام كعقيدة من طرف المسلمين ٠ إلا ان هذا الأمر لا هو بالجديد ولا هو بالحديث ، وانا أصلا لا اخفيه ، وأصحاب الحال يعرفونه ويعلمونه جيدا حتى عندما كان الأمر شأنا شخصيا وخاصا بي .
ولهذا يبدو ان الأمر جلل وأعظم ويقينا انه من الكبائر التي لا تجوز فيها الكفارة لا بالهدي ولا بالصوم ولا بإطعام المساكين .
فكيف لحامل الراية (بوعلام ) -كما سماه الأديب جوستاف لوكليزيو، الحائز على جائزة نوبل للآداب: – ان يتجرأ على الجغرافية والتاريخ لا ليكتشف جديدا ولا ليقول بدعة ولكن فقط لكونه صرح بالفم المليان بما يعرفه المختصون والعامة من ان (الماروك) دولة عريقة لها أثنى عشر قرنا ولم يبتكرها الاستعمار بالأمس وان الحدود الشرقية ليست إلا ابداع فرنسي أخلفت القيادة الجزائرية وعدها من اجل تسويتها ،وان البوليساريو صناعة جزائرية .
يبدو ان بوعلام صنصال وهو يطل على الثمانين من عمره عندما قرر السفر إلى الجزائر يوم 16 نونبر 2024 كان يعرف مصيره فكانت رحلته (ضد انتقام الأقوياء، هو الذي لا قوة له سوى قوة الكلمات ” كما قال الأديب الفرنسي جوستاف في مجلة لوبوان الفرنسية .
و لعل من مكر التاريخ ان أغنية عبد القادر يا بوعلام الشهيرة التي نالت شهرتها بعدما أداها بفرنسا الثلاثي الجزائري الشاب خالد و الشاب طه رحمه الله وفوضيل كانت كلماتها قد كُتِبَت باحدى سجون الجزائر من طرف الشاعر المعتقل الحاج زغادة المشهور بالورشاني سنة 1989 تيمنا بالأولياء الصالحين وعلى رأسهم الصوفي الصالح سيدي محيي الدين عبدالقادر الجيلاني والتي يقول مطلعها :
عبد القادر يا بوعلام ضاق الحال علي
داوي حالي يا بوعلام سيدي روف علي ……
ويتداول الشارع أنه مباشرة بعد كتابة القصيدة انفرج الحال وأطلق سراح الشاعر الورشاني .
فيا ترى كم رواية وقصة قصيرة وولي صالح يحتاج بوعلام صنصال للافراج عليه .
فكل التضامن مع بوعلام الذي استمتع برواياته و لا اتفق مطلقا مع مواقفه من الصهيونية وأفعالها ومن الدين الإسلامي الحنيف .