محمد أشلواح(*)
بعد زيارات مكوكية للدبلوماسية الجزائرية للعديد من الدول العربية لإقناع القادة العرب بالمشاركة في اجتماع القمة العربية، كان الجواب هو التطمين بالحضور، كما صرح بذلك إعلام النظام الجزائري. لكن الرد الحقيقي على الدعوة الموجهة للقادة العرب كان قبل انعقاد القمة بأيام معدودة وتكرس مع بداية انطلاق أشغالها.
الرد تمثل في غياب قادة بارزين لدول في المنطقة العربية، يأتي على رأسهم الملك محمد السادس… بحيث حضر فقط رؤساء( مصر، و موريتاني، وتونس، وجزر القمر، جيبوتي،الصومال، العراق و فلسطين)، والآخرون مجرد رؤساء مجالس إنتقالية، أو تمثيل من المستوى الثاني أو الثالث أو الرابع.
ففي المحصلة نجد حضور رئيسين،”للقمة”، من الدول المؤثرة(مصر، موريتاتيا) وأمير واحد(قطر)فقط ، بينما “قيس سعيد”-الفاقد، اليوم، للشرعية التي يريد أن يحصل عليها من نظام (جزائري) يفتقدها هو نفسه!- فلا يمكن إدراجه ضمن الرؤساء المؤثرين، أما الدول الأخرى فلا زالت تبحث عن نفسها ولا يمكن أن توجِّه أو تقود النظام العربي الراهن.
لماذا هذا الغياب عن مؤتمرٍ للجامعة العربية، كان سابقا، يُوصَف بمؤتمر “القمة”؟
في الحقيقة لكل رئيس دولة عربية أسبابه الخاصة به، ومع ذلك، يمكن إجمال الأسباب في ما يلي:
أولا: أسباب(بنيوية) مرتبطة بالسلوك الخارجي للنظام الجزائري تجاه القضايا العربية، وتتمثل بالخصوص في:
– خلق نوع من التحالف مع إيران ضد مصالح الدول العربية، وخاصة السعودية واليمن والإمارات.. .
– دعم نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري منذ اندلاع الحراك الشعبي في سوريا.
– دعم واحتضان تنظيم انفصالي إرهابي(البوليساريو) ضد دولة محورية في المنطقة العربية وهي المغرب.
ثانيا: أسباب مرتبطة مباشرة بأحداث وتطورات طرأت مع بداية القمة(خلال الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية) ولها خلفيات سياسية وارتباطات بالأسباب البنيوية،السالفة الذكر، و هي:
1-تجاوزات بروتكولية، خاصة ما وقع مع الوفد المغربي، فبالاضافة إلى تسجيل،المتتبعين والمختصين، لوجود خلل في التنظيم، هناك عدم احترام للاعراف الدبلوماسية المترسخة في مثل هكذا محافل ومناسبات، تعمَّد النظام الجزائري تحريض”مؤسسات” إعلامية جزائرية رسمية لِبَتر خريطة المغرب المعتمدة، و تمادى في سلوكه غير الودي عبر القيام بمنع و احتجاز صحفيين مغاربة رسميين، اعتمدوا لنقل أشغال الجامعة العربية، ومصادرة آلياتهم بدون وجه حق، في خرق سافر للقانون و للأعراف الدولية التي تحكم المؤتمرات الدولية والإجتماعات التي تعقدها المنظمات الدولية. فاجتماع الدورة 31 يخص الجامعة العربية وليس الدولة الجزائرية!!.
2-معارضة الجزائر لمشروع القرار الذي يمنع إيران من التدخل في شؤون الدول العربية وتسليحها للمليشيات الانفصالية التي تهدد الأمن القومي العربي.حيث كانت الجزائر استثناء وحالة نشاز بخصوص الموقف من تنديد “قمة” الجامعة العربية لإيران، حيث رفضت لوحدها هذا المقترح، المغربي، خلال الاجتماع التحضيري “للقمة” لوزراء خارجية العرب!
3-بروز معطى أن الجزائر تحاول أن توظِّف “القمة” العربية ضد الدول العربية ومصالحها، بما يخدم أجندتها سواء في علاقتها مع إيران أو مع حزب الله أو النظام السوري. أو ضد المغرب..وليس لخدمة المشترك العربي الموحد!
على أي حال، ماذا تحقق للجزائر(النظام) من هذه القمة؟
بداية لا بد من القول أنه لا يمكن تفعيل قرارات ناتجة عن هذه القمة لاعتبارين إثنين:
الأول: أن هذه القمة يفتقد إعلانها للقوة التي يستمدها أساسا من حضور معظم الرؤساء والملوك والأمراء، فهذا الشرط لم يتحقق في هذا الاجتماع، ومن ثمة فقرارات هذا الاجتماع ليست موسومة بطابع “قوة الأمر المقضي به”، أما الاعتبار الثاني فيتمثل في أنه مهما كان مضمون “إعلان الجزائر” الخاص ب”القمة” العربية، فليس هناك ما يلزم أو يشجع القادة العرب الذين لم يحضروا لهذه القمة على تنفيذها، لكونهم يمثلون أعلى هرم في السلطة ببلادهم، وإن كانوا ممثلين بنواب عنهم، وإذا افترضنا أن هناك التزامات صادرة عن “القمة” العربية “تلزم” الدول المنتمية لهذه المنظمة، عملا بقاعدة استقلالية المنظمات الدولية في إرادتها التي تقول بأن القرارات التي تصدرها المنظمات الدولية تلزم جميع الدول الأعضاء في المنظمة، فإن الواقع يقول أن معظم الحاضرين في اجتماع الجزائر للجامعة العربية “يتفقون” حول التوجه العام للجامعة، باستثناء الجزائر، لذلك فمخرجات قرارات الجامعة العربية لا تتناقض مع ما يريده مقاطعوا “القمة”، وهو ما يشير إليه فعلا، إعلان “القمة”. فالجزائر هي في نهاية المطاف من وجدت إحراجا كبيرا في التعبير عن مواقفها التي تتناقض مع الشعار الذي رفعه النظام الجزائري في هذه القمة والمتمثل في “لم” الشمل العربي!! .
لابد من التأكيد أن “قمة” الجزائر (31) للجامعة العربية تعتبر من أفشل الإجتماعات التي قامت بها الجامعة العربية، فلم يسبق أن عرفت حضورا باهتا لرؤساء الدول مثل الذي حدث هذه المرة بالجزائر. وهذا يعتبر انتكاسة كبيرة للدبلوماسية الجزائرية وهو ما يتبين من خلال الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: أن هذا الاجتماع كشف عن الحجم الحقيقي للجزائر، فهي التي كانت تعتقد نفسها قوة إقليمية ظَهَرَت قزم سياسي لا وزن له إقليميا ولا دوليا، فمحاولات التسويق لبضاعة فاسدة باءت بالفشل و وهم الفاعل الاقليمي العربي انهار تماما. فلو كان لهذا النظام تقديرا ومكانا محترما لدى الفاعلين في المنطقة العربية لكان قادة الدول العربية الوازنة في المنطقة قد حضروا شخصيا لاجتماع “القمة” العربية التي نُظِّمت فوق الاراضي الجزائرية.
الملاحظة الثانية: إن عدم حضور زعماء الدول العربية(ثمانية ملوك ورؤساء وأمراء) يدل على عدم حِنكة الدبلوماسية الجزائرية، فلو كانت تتمتع بكفاءة دبلوماسية استراتيجية لكانت قد اقنعت، عبر توافقات، زعماء هذه الدول بالمشاركة في “القمة” العربية أو على الأقل الانتباه إلى انهم كانوا معتزمين على مقاطعتها. فهذا لم تتنبأ به كل أجهزة العسكر الخارجية، كما أن “التبون” و “رمطان لعمامرة” لم يفهما خطاب القادة العرب أثناء جولاتهم المكوكية للتعبئة للقمة العربية ولم يستوعبا و”شنقريحة” المعطيات و السياق التي تمر منه المنطقة العربية.
الملاحظة الثالثة: أن النظام الجزائري كان يتوخى الخروج من هذا الاجتماع بنتائج تخدم حلفاءها دولا وجماعات أخرى ففشل في الأمر فشلا ذريعا. ويتضح ذلك مما يلي:
أولا: عدم القدرة على إقناع العرب بعودة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية ليشغل مقعد سوريا بالجامعة العربية.
فالنظام الجزائري كان يدعم بشار الأسد، منذ اندلاع الإحتجاجات في سوريا. واستمر هذا الدعم إلى حدود اليوم، وهو ماعبر عنه ” عبد المجيد التبون”، من خلال تأكيده، ما مرة، على “أحقية” سوريا في مقعدها بالجامعة العربية باعتبارها “عضوا مؤسسا للهيئة”. في هذا الاطار قام وزير خارجية الجزائر “رمطان لعمامرة” بزيارة إلى دمشق في 25 يوليوز 2022. مما جعل زيارته(لعمامرة) تلك تحظى، ضمن جولة قادته أيضا إلى العراق، بتأويلات عديدة تتعلق تحديدا بخلفيات ثبات الجزائر على موقفها المؤيد للنظام السوري بقيادة بشار الأسد منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
إن هذا الفشل يعد ضربة قاسمة للتحالف الجزائري الايراني السوري(بشار) الذي تقوده إيران، لتنفيذ أجندتها في المنطقة العربية، فخطة هذا التحالف، التي يُتَوخَّى منها تقوية نفوذ إيران داخل المنطقة العربية عبر حلفائها، نُسفَت تماما مع فشل النظام الجزائري في إقناع العرب بعودة سوريا بشار الأسد إلى الجامعة العربية.
ثانيا: محاولة تحيِّيد تهمة التدخل في الشؤون الداخلية عن إيران ودعمها للجماعات والتنظيمات الإرهابية في البلدان العربية،
(وكانت هناك محاولة جزائرية لتجاوز هذا القرار) وهو ما لم يتمكن منه النظام الجزائري، حيث جاء إعلان القمة الوحدة والثلاثون للجامعة العربية، متضمنا لبند يرفض؛ التدخلات الأجنبية في الدول العربية. بشكل صريح كالآتي:
-“رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية…”
وبدون شك يأتي في مقدمة هذه التدخلات التدخل الإيراني في المنطقة، سواءً منه المباشر أو غير المباشر.
فإيران تتدخل اليوم في العراق، وفي اليمن عبر الحوثيين، وفي سوريا عبر بشار الأسد، وفي لبنان عبر حزب الله، و في مسألة الوحدة الترابية للمغرب عبر النظام الجزائري ودعم جماعة البوليساريو.
لذلك فمحاولة النظام الجزائري التَّستر على إيران كانت محاولة مفضوحة، مكشوفة و يائسة لم تملك الجامعة العربية إلا التصدي لها عبر إدراج رفض التدخلات الأجنبية في البيان الختامي.
ثالثا: تأكيد ودعم الجامعة العربية للوحدة الترابية لأعضائها وعلى سيادة الدول ورفض لكل أشكال تقديم الدعم للملشيات والجماعات الارهابية، فقد أكد البيان الختامي على :
– “.. ضرورة توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله…، لا سيما فيما يتعلق بمطالبة الشركاء بعدم السماح باستخدام أراضيهم كملاذ أو منصة للتحريض أو لدعم أعمال إرهابية ضد دول أخرى”.
وهو ما ينطبق تماما على النظام الجزائري الذي يأوي جماعة مسلحة انفصالية(البوليساريو) تستهدف الوحدة الترابية للمملكة المغربية، بالاضافة إلى أنها قامت، وتقوم بأعمال ذات طبيعة إرهابية. لذلك فبيان “القمة” العربية وضع اليوم الجزائر بشكل مباشر وصريح أمام مسؤوليتها فهي اليوم مطالبة- حسب البيان الختامي الذي صيغ في بلادها- بعدم استخدام أراضيها كمنصة وملاذ لتحريض البوليساريو ضد دولة أخرى عضو في الجامعة العربية(المغرب). وإلا على الجامعة العربية في المستقبل تقيِّيم علاقتها مع الجزائر باعتبارها تتلكأ،ليس فقط في ما يخص أهداف ميثاق الجامعة العربية، بل أيضا في تنفيذ أحد مقرراتها الهامة والمتمثل في عدم تَمكِين أي دولة عضو في الجامعة العربية جماعة(إنفصالية، إرهابية..) للقيام بأعمال مسلحة تخريبية وإرهابية ضد سلامة الدول الأعضاء ووحدتها الترابية.
رابعا: فشل النظام الجزائري في إقحام البوليساريو في أجندات “القمة” العربية في الجزائري، بالرغم من أن معظم السلوك الخارجي للجزائر لا يخلو من استحضار البوليساريو فيه دفاعا وتمويلا وتحريضا.. .
الملاحظة الرابعة: بدا مكشوفا بشكل مفضوح مدى محاولات النظام الجزائري استغلال القضية الفلسطينية، فهذه القضية تعتبر قضية كل “العرب”، لذلك كانت تقريبا القضية الوحيدة التي كان فيها شبه إجماع في “قمة الجزائر”، ومن ثمة فمحاولة النظام الجزائري الركوب على هذه القضية لتحقيق مآرب خاصة باءت بالفشل، فالاجتماع أكد إلى جانب بنود أخرى خاصة بالقضية الفلسطينة على”.. التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، والإلتزام بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية..”، مما يعني وضع حد لأي “مقترح” جزائري في هذا الموضوع.
كما أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة ليس مطلبا خاصا بالجزائر بقدر ماهو مطروح منذ مدة وتتبناه كل الدول العربية وتناضل من أجل تحقيقة في إطار أجهزة الأمم المتحدة. إن محاولة المساس بلجنة القدس ودورها المحوري في القضية الفلسطينة تصدى له اجتماع “القمة العربية” وكذا إعلانها الذي أشار إلى”.. دور لجنة القدس وبيت مال القدس في الدفاع عن مدينة القدس ودعم صمود أهلها”.
الملاحظة الخامسة: إذا كان الهم الوحيد الذي يحمله النظام الجزائري هو استعداء المغرب والمساس بمصالحه ووحدته الترابية، فإنه قد فشل في إطار هذه القمة فشلا ذريعا ولم يستطيع توظيفها(“القمة”)للنيل من المغرب . فالدبلوماسية المغربية بدت، رغم محاولات التضييق عليها و إرباكها، أكثر قوة ورصانة، سواء في تصريف مواقفها أوفي فرض آرائها أو في الدفاع عن مصالحها أو في تدبير مختلف تفاعلاتها.
فقد حاول النظام الجزائري المساس بخريطة المغرب واضطر للإعتذار على ذلك، بعدما تبرأت منه الجامعة العربية(وهذا في جوهرة دعم للوحدة الترابية للمغرب ولسيادته على صحرائه) في بيان لها. كما انفضح أمر النظام الجزائري خلال تعامله الاستثنائي مع الوفد المغربي والذي خُرقت فيه كل قواعد البرتوكول الدبلوماسي ولباقة التعامل مع الضيوف وأخلاقياته.
بالمناسبة فحضور الوفد المغربي إلى”قمة” الجزائر كان وفق الشروط التي يريدها، إضافة إلى تَضمِين مواقفه في بيان ” القمة”، فكل المنافذ أغلقت أمام النظام الجزائري حتى لا يتيح إمكانية التسلل للبوليساريو، بأي شكل من الأشكال، إلى اجتماعات “القمة”، رغم انعقاد هذه الأخيرة فوق أراضيه و رغم اعتبار النظام الجزائري، كَون البوليساريو مسألة “مصيرية”و”مبدئية”!!.
أكثر من ذلك أكدت “القمة” على رفض استعمال أراضي الدول الأعضاء ضد الدول الأعضاء الأخرى، وهذا فيه انتصار للموقف المغربي، ويضع النظام الجزائري في ورطة حقيقية وفي مسؤولية أمام الجامعة العربية، فالنظام الجزائري مُطالب بمعالجة وضع غير طبيعي فوق أراضيها و يجب عليه اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع استخدامها من طرف جماعة البوليساريو التي تحتضنها تندوف بالجزائر للقيام بهجمات عدوانية/ إرهابية على الأراضي المغربية.
إن هذه القمة بينت بالدليل والبرهان مدى حقد النظام الجزائري، لكل ماهو مغربي- وهو ما لاحظه كل الحاضرين في القمة وتابعه المجتمع الدولي عبر وسائل الاعلام- ومدى ارتباكه في تصريف تصوراته ومواقفه، فأحيانا يرحب بالمغرب وأحيانا أخرى يقوم بتصرفات بهلوانية طفولية غير مفهومة، وقد تمثل ذلك،على سبيل المثال، في إرسال وزير العدل لدعوة المغرب للحضور إلى القمة، وبعد ذلك تعامل(النظام الجزائري) بشكل غير ودي مع الوفد المغربي، كذلك تم منع صحفيين مغاربة معتمدين رسميا لنقل اشغال “القمة”العربية.. إضافة إلى محاولات،يائسة، للمساس بدور المغرب في القضية الفلسطينة وما يلعبه في ذلك عبر لجنة القدس التي يترأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس. كذلك وضع الموقف الجزائري أمام المحك حينما رفض “لعمامرة” إدانة إيران ومنعها من التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
الملاحظة السادسة: “قمة” الجامعة العربية الواحد والثلاثين التي نظمت بالجزائر عمقّّت عزلة النظام الجزئري وبدا صوته نشاز داخل اجتماع أقيم ببلاده، بالمقابل تقوَّى التكتل الذي يتضمن قوى وازنة كالمغرب والسعودية..على حساب التحالف الايراني- الجزائري وضعف هذا الأخير وانفضح أمره في المنطقة.
الملاحظة السابعة: النظام الجزائري كان يروم توظيف القمة العربية، حيث جعل من تنظيمها حدث استثنائي، لا نظير له، في حين أن العبرة ليست في التنظيم(الذي فشل)، بل في القرارات ومدى حصول إجماعٍ حولها من أجل تنفيذها.
فالنظام الجزائري كانت تحكم تنظيمه للقمة العربية خلفية، انتبه إليها المتتبعون للشأن الجزائري، يتعلق الأمر هنا بمحاولة هذا النظام الالتفاف على مطالب الشعب الجزائري باستعمال” تنظيم” قمة العرب كورقة لامتصاص الغضب الشعبي الجزائري، حول تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الجزائر.
هذا لم يتأتى للنظام الجزائري لأنه ينطلق أصلا
من فكرة خاطئة تتمثل في أن تنظيم القمة سيُحسِّن من الوضع الداخلي الجزائري وسيساهم في حل الأزمة في البلاد! وهذا غير ممكن،على الأقل لسببين إثنين:
السبب الأول: القمة العربية ليس لها أي تأثير مباشر، و لا غير مباشر، على حالة الجزائريين الذين يعانون من نقص حاد في المستلزمات الأساسية للعيش؛ الحليب، البطاطيس..فلا شأن لهم ب”قمة” عربية لا تسمن ولاتغني من جوع، فالشعب الجزائري في حاجة إلى الإجابة الفورية عن مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية.. .
السبب الثاني: أن النظام في الجزائر لا يمكنه أن يكتسب شرعية مفقودة من” قمة” الجامعة العربية وحدها، فالشرعية الداخلية هي الأساس لكل نظام ديمقراطي وهو عنصر غير متوفر في النظام الجزائري الذي يسيطر العسكر على مفاصله كل أجهزته و”مؤسساته” منذ قيام ” الدولة” الجزائرية في بداية ستينيات القرن العشرين و إلى حدود اليوم.
إن عدم شرعية النظام الحاكم في الجزائر يشكل جزء كبير من الأزمة العضوية التي يعيشها” العالم” العربي، ومتغير رئيسي في عدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة العربية، ومعطى أساسي دفع العديد من القادة العرب إلى اتخاذ مقاطعة “قمة” الجامعة العربية التي انعقدت بالجزائر.
إن فشل القمة العربية يجعل النظام العسكري الجزائري يفقد كل أوراقه في الوقت الراهن، فالقمة التي راهن عليها لإيجاد مكانا له ضمن “العرب” الكبار أو لانتحال صفة القوة الإقليمية، أو لامتصاص الغضب الشعبي وتنفيس الأزمة الداخلية لم تنجح، وبالتالي لا يمكن لها أن تحقق شيئا من هذه المتمنيات، وهذا يعتبر إرتباك خطير في حسابات جنرالات الجزائر،
ويعَدُّ سقوط مدوّ وانهيار بيٍّن لأوهام النظام الجزائري الذي كان يعتقد نفسه” فرعون صغير” بدأ ينمو في شمال إفريقيا، فجاءت هذه القمة، لِتصحح له هذا الاعتقاد الخاطئ فأعادته إلى حجمه الحقيقي كقزم سياسي صغير.
إن هذه التطورات ستجعل النظام الجزائري يدخل في حالة يأس خطيرة، بعدما حرق كل الأوراق، وهذا سيفضي لأحد السيناريوهين التاليين:
السيناريو الأول: اندلاع الحراك الشعبي الجزائري من جديد، سيصاحبه استعمال القوة ضد الشعب الجزائري، وسترتفع درجة تصفية الحسابات بين الجنرالات فيما بينهم، وقد تدخل الجزائر في حالة عدم استقرار خطيرة تفتح امكانية انهيار” الدولة” على شاكلة، ليبيا،مالي… قائمة، مما يهدد انقسام الجزائر ويهدد السلم والأمن في شمال إفريقيا ككل…
السيناريو الثاني: افتعال حرب مع المغرب، من أجل التغطية على الفشل الداخلي والخارجي للنظام الجزائري، ومع ذلك فسيناريو الحرب يظل مستبعدا، لاعتبارات عدة ترتبط بعضها بالقوى الكبرى، التي ليس في مصلحتها في الوقت الراهن إشعال جبهة أخرى في شمال إفريقيا، لكن يبقى هذا الإحتمال(الحرب) وارد وقد يكون في شكل حرب “منخفضة الكثافة” ومحدودة زمكانيا في شكل مناوشات على الحدود الشرقية للمغرب أو في الحدود الجنوبية بجوار الجدار الأمني للمغرب، أو عبر استعمال التكنولوجية الإيرانية(“الدرون”)، وفي مثل هكذا اعتداءات سيتلقى، النظام الجزائري ضربة قاسمة ومدمرة، فالمغرب مستعد تماما لكل من سولت له نفسه القيام بمثل هذه المناوشات/الاعتداءات، وطبعا سيكون ذلك في إطار الدفاع الشرعي عن النفس كما يخوله القانون الدولي.
*أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق أكدال بالرباط