لعل من مكر الأحداث أن تصادف جلسة محاكمة سلسلة تلفزيونية مغربية، يوم الاثنين المقبل 3 مايو، تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة.
إنها رسالة خطيرة جدا، ينبغي التوقف عندها. فبينما يحتفل أحرار العالم، وضمنهم المغاربة المتنورون، بحرية الرأي والتعبير وحرية الإبداع، هناك من يريد تكميم الأفواه، بدعوى الإساءة إلى حرمة مهنته.
يحفل التاريخ المعاصر في المغرب بمحاميات ومحامين مناضلين تقدميين وحقوقيين منصهرين في قضايا المجتمع، ومنهم من أدى الثمن باهظا جراء وقوفه إلى جانب القضايا العادلة، ومنها قضية حرية الرأي والتعبير والإبداع، وهناك أيضا محامون مبدعون أثروا الساحة الثقافية بإنتاجاتهم المميزة…
فهل يعقل، أمام هذا التراكم المشعّ، الجدير بالافتخار، وأمام الرصيد الحقوقي الذي تحققت فيه تراكمات مهمة بالمغرب، بفضل نضالات شرفاء هذا الوطن، وضمنهم محامون ومحاميات، نجد من يريد أن يجر البلاد إلى الوراء، ويصادر حق المبدعات والمبدعين في الإبداع؟
……
ماذا فعلت السلسلة التلفزيونية حتى استحقّت أن تُقام عليها الدعوى، وتجر إلى ردهات المحاكم؟
كلّ ما في الأمر أنها تعرض شخصية محامية بطريقة كوميدية، كما هو الشأن مع باقي الشخصيات: ربّ المقهى والعاملين فيها والزبائن… تمامًا، مثلما يحصل في كل الأعمال الكوميدية، حيث تظهر شخصيات بقالب هزلي، مُجسّدة التناقضات الموجودة في الحياة وفي مختلف المهن.
المسألة في البدء والمنتهى تتعلق بعمل إبداعي مُتخيّل؛ فهل يُعقل أن نُحاكِم الإبداع؟ وأن نُصادر حق المبدعين في ممارستهم الفنية، وفي الطريقة التي يرون بها العالم، وفي انتقادهم للواقع؟
أيّ عمل كوميدي يقدّم عادةً شخصيات من المجتمع، تنتمي لمهن مختلفة. وحين يقدّمها في قالب ساخر، فليس معنى ذلك انتقاصًا من المهن التي تُحيل عليها أو إهانةً لها. حين تظهر شخصية جزّار طماع ـ مثلا ـ فليس معنى ذلك أن كل الجزارين طمّاعون، وقِسْ على ذلك الأطباء والنجارين والفلاحين والمعلّمين والصحافيين والوزراء وهلم جرا.
وعلى حد قول زميلنا المصطفى العسري في تدوينة له: «كل مهنة فيها الغث والسمين، وليست هناك مهنة يحتكرها الملائكة، وأخرى الشياطين».
فلماذا، إذن، قامت قيامة البعض ضد سلسلة «قهوة نص نص» لمجرد أنها صوّرت محامية بتلك الطريقة الكوميدية؟ هل المقصود بذلك أن المحامين، كلّ المحامين، معصومون من الخطأ ومن كل نقيصة؟ أم أن الحالة ينطبق عليها قول الإمام الشافعي:
«وعينُ الرِّضا عن كُلِّ عَـيْبٍ كَلِيلَةٌ… ولكنَّ عينَ السُّخطِ تُبدي الْـمَسَاوِيَا».
للممثل الفنان محمد الشوبي رأي في النازلة، دوّنه على صفحته «الفيسبوكية» قائلا: «مجتمع مريض. إذا تطرّقنا لمزرعة بيض فاسدة، يقوم كل أصحاب البيض مُندّدين؛ تطرّقنا لخبّاز يغش في المواد، يقوم كل الخبازين منددين؛ تطرّقنا لحفّاري القبور يغشّون في المساحة، يقوم كل حفاري القبور ينددون… كل المهن والوظائف والانتخابات ليس فيها إلا الشرفاء وأصحاب الذمم، إلا إذا تطرقنا للممثلين والمخرجين فلا أحد يندد!».
حلقة أمس الخميس سخرت من الشعراء والأدباء ومن رواد المقاهي الأدبية، فهل سيقوم “بيت الشعر” أو “اتحاد الكتاب” أو “شبكة المقاهي الأدبية في المغرب” برفع دعوى استعجالية ضد أصحاب العمل؛ على غرار ما فعل المحامي مع السلسلة نفسها؟
……………
معذرة أيها المحامي المحترم…!
وكما يقول الفرنسيون:
Vraiment désolé !