رشيد وهابي
كلنا نعلم أن العدالة يُرمز لها كما هو متعارف عليه عالميا بامرأة معصوبة العينين تحمل سيفا بيدها اليمنى والميزان بيدها اليسرى، فهي مغمضة العينين لكي تساوي بين الخصوم والملفات والسيف بيدها اليمنى لتبطش به وتسحق الظلم وتُميته، وتحمل الميزان بيدها لتساوي في حكمها بين الجميع لا فرق عندها بين غني وفقير، وهي امرأة وليست رجلا، لأن النساء بطبيعتهن تملأ قلوبهن الرحمة، والعدالة في أحيان كثيرة تحتاج أن تكون رحيمة، لأن قسوتها يمكن أن تكون ظلما في حق بعض المحكوم عليهم.
أما مع التعديلات الجديدة التي تُنذر بشؤمها مسودة مشروع المسطرة المدنية، فهي ستزيل العصبة عن عينيها لكي تفرق بين الخصوم وبين ملفاتهم، وستحمل ميزانا إلكترونيا تستعمله قبل أن تقضي بين الخصوم يكون الهدف منه تصفية الملفات والتفريق بينها، فحسب المادة 29 من مسودة مشروع المسطرة المدنية فالملف الذي لا يبلغ مبلغا معينا بقسطاس الدراهم لن يحق لصاحبه الطعن بالاستئناف أو النقض، ونفس الشيء بالنسبة للملف الذي تجاوز فيه الطلب 50000 درهم، وسمح لأطراف إذا أعطى الميزان إشارة بأنه أقل من 100001 درهم، فلن يحق لصاحبه الطعن فيه بالنقض.
وسبب هذا المقال راجع إلى قبل أيام خلت خرجت إلى فضاءات الأنترنت مسودة مشروع قانون يتعلق بقانون المسطرة المدنية، ووجهت وزارة العدل كما أُشيع نسخة منه إلى جمعية هيئة المحامين بالمغرب، وطلب منها أن تبدي ملاحظاتها على المشروع بشأنه خلال أيام معدودات.
قانون المسطرة المدنية كما هو معروف هو قانون يعود تاريخه إلى سنة 1974 وهو قانون عرف تعديلات لا بأس بها منذ التسعينات، ولكن إذا كانت بعض هذه التعديلات كان الهدف منها تجويد عمل المحاكم وتبسيط الإجراءات فيها وحصر المكلفين بالعمل فيها في المهنيين الممثلين في المحامين، عبر توسيع دائرة المساطر الكتابية والحد من في كل تعديل من المساطر الشفوية، وهو المقتضى الذي عُزز بمقتضيات المادة 32 من قانون المحاماة، وإذا كانت عدالة زمان كانت القلة حينها هي سمتها، قلة المحاكم، قلة الموظفين، قلة القضاة والمحاكم والأوراق ووسائل العمل، وكان من حق الجميع فقراء وطبقة متوسطة وأغنياء، أن يلجوا المحاكم ويعرضوا نزاعاتهم أمام المحاكم الابتدائية، وإذا اعتبر أحد الأطراف أن قاضي البداية أو المحكمة الابتدائية أخطأ في حكمه أو لم ينصفه، كان من حقه أن يستأنف الحكم ويعرض أسباب طعنه أمام محكمة الاستئناف، وبعد صدور الحكم كان يحق لأي طرف مقابل رسوم زهيدة ومناسبة وعادية أن يطعن في النقض في كل قرار استئنافي ظهر له أنه مخطئ في حقه أو أنه ظلمه، وكان لمحكمة النقض حتى حق التصدي حتى تحسم النزاع ولا تجعله يُداوم على السفر بين محكمة الاستئناف والنقض في بعض الملفات في رحلة البحث عن عدالة تجري ويجري وراءها المتقاضي لمدة زمنية قد تستمر لسنوات.
مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المعروض حاليا بدأ العديد من الزملاء والمختصين والممارسين يوجهون لها سهام نقدهم التي تكون في الغالب معقولة، خصوصا إذا كانت مصوبة من ممارسين خبروا مشاكل المسطرة أمام المحاكم وعراقيلها التي يجب أن توجد لها حلول، وبخبرتهم وتجربتهم العملية يمكن أن يصلوا إلى الحل بشأنها لأن من يجد مشكلة يبحث عن الحلول القانونية لها.
من بين ما أثارني في مسودة هذا المشروع هو المادة 29 منه والتي جاءت لتعوض المادة 19 من قانون المسطرة المدنية وجاء فيها ما يلي: (مع مراعات المقتضيات الخاصة، تختض المحاكم الابتدائية بالنظر:
– ابتدائيا وانتهائيا إلى غاية خمسين ألف درهم.
– ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف في جميع الطلبات التي تتجاوز خمسين ألف درهم.
– يبت ابتدائيا في الحالة المنصوص عليها في المادة 22 قبله).