شهدت شوارع الرباط العاصمة يوم الثلاثاء والأربعاء من شهر مارس الجاري 2021 احتجاجات واسعة من طرف أطر الأكاديميات وفئات متنوعة من قطاع التربية والتكوين ،جاءت هذه الاحتجاجات انعكاسا للتغيرات التي طرأت على النظام التعليمي على مستوى التوظيف من جهة ،ودعوة منهم الى تحقيق الادماج في سلك الوظيفة العمومية من جهة أخرى.
فبعدما كانت الحكومة المغربية تعتمد على التوظيف العمومي المباشر في قطاع التعليم ،أصبحت تتكل على نظام التوظيف أطر الاكاديميات،او مايسمى حسب الحس المشترك بالتوظيف بالتعاقد ،وقد جاء هذا الأخير ضمن توصيات الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التعليم والميثاق الوطني لإصلاح قطاع التربية والتكوين ، وقد عمدت الحكومة المغربية على تطبيقه منذ سنة 2016 بديلا عن التوظيف المباشر لتجاوز مشاكل عدة اصبحت تطرح نفسها هي الاخرى بالمدرسة العمومية مثل الإكتظاظ في الأقسام والحد من انخفاض معدل التمدرس…
وعلى إثر ذلك وبالنظر الى الاحتجاجات التي أقيمت فإن هناك مجموعة من التساؤلات التي تطرح على المستوى الاجتماعي ،ولكي لانغفل فإن لهذا الأمر تداعيات أخرى إذا نظرنا اليه بعين ثاقبة متمحصة تحلل معطيات الأمور وتتنبأ بمجرياتها وفق أسس علمية منطقية ترقى بمستوى التحليل الاجتماعي السوسيولوجي المحض.
فإذا كانت احتجاجات أطر اليوم تعبر عن جزء من أزمة المسألة التعليمية ببلادنا ،فإن ما آلت اليه هذه الاحتجاجات ستطرح اشكاليات أخرى في الغد يصعب التعامل معها حتى.ذلك ما يدعونا الى التساؤل عن كيف يمكن مقاربة التوظيف الاطر الاكاديميات في ظل هذه الاشكاليات التي باتت تطرح في الوسط التعليمي!
بداية بالمقاربة الأمنية التي اعتمدت في فض هذه الاحتجاجات ،فهل كان من الضروري ان تعتمد لفض ذلك،ام ان الأمر يستدعي فتح حوار عميق ومسؤول بين الجهات الوصية لقطاع التربية والتكوين وممثلي هذه الهيئات!كذا البحث في حيثيات هذا الأمر والتساؤل عن دوافع هذه الاحتجاجات والشروط العامة لها.
واولى هذه الاشكاليات هي نظرة الأستاذ لشخصه ثم نظرة المجتمع والتلميذ له، فنحن هنا نتحدث عن ثقة التلميذ بالاستاذ اعتبارا منه ان الاستاذ هو النموذج الذي يحتذى به، الى جانب الانكسار النفسي الذي قد يعاني منه الأستاذ في ظل هذه الاحتجاجات ،تستوقفني الآن مقالة للدكتور محمد الدريج عنونها ب “أزمة توظيف المدرسين بالتعاقد ..”وفي بداية هذه المقالة ذكر مايلي ؛ما يمكن أن نستفيده من علم النفس المهني والهادف إلى زيادة الكفاية الانتاجية و زيادة توافق العمال/الموظفين فى عملهم، يتمثل في تحقيق الاستقرار النفسي في العمل و الرفع من زيادة الثقة والرضا (الاشباع النفسي) المادي و اللامادي فى مجال العمل والمهن..كلام يدعوا الى اعادة النظر مئات ومئات في ما آلت إليه هذه الاحتجاجات. هنا سنتحدث عن مهنية الاستاذ والمعلم داخل وخارج حجرة الدرس، ألم يحن الوقت للتساؤل عن طبيعة الانعكاسات التي ستترتب عن ذلك ثم مدى تأثيرها على نفسية الأستاذ ثم التلميذ..
ألا يشكل ذلك عائقا آخرا لمنظومة التربية والتكوين ! الن يكون حاجزا أمام تحقيق جودة و مردودية المدرسة العمومية !وكيف ستحقق اهداف الرؤية الاستراتيجية 2015_2030 ؟وكيف ستحمل مشعل المشاريع الإصلاحية وتنزيلها بالشكل المطلوب على ارضية المدرسة العمومية ! ونحن امام هذا النزاع الذي يفرض حوارا مستعجلا لتجاوزه ومن ثم النظر الى قضايا أخرى ..
وهل سيكون للأستاذ دور في قيادة المشاريع التربوية ؟وهل تخدم هذه المقاربة الأمنية انتظارات المجتمع المتعلقة بالإنخراط الفعلي للأساتذة في مرحلة حاسمة من ت%D زيل القانون الإطار حسب تعبير ذ.عبد الله الخياري.
أضف الى ذلك الاستنكار الشديد الذي عبر عنه المج%Aمع المغربي بكل مكوناته ،ومدى تفاعله مع هذه المقاربة الأمنية التي تم اعتمادها في فض احتجاجات أطر الأكاديميات .
إن مسألة الحديث عن الاحتجاجات في علاقتها بالوسط الاجتماعي والاعلامي أصبحت تأخذ ابعادا كثيرة وقراءات مستقبلية من وحي آخر ،كذا تحمل تداعيات يصعب رؤيتها في الوسط الاجتماعي ،فالأمر هنا يتعلق بالظاهرة المجتمعية والانسانية جمعاء وتهم المؤسسات الدستورية التربوية و الجمعيات ذات الرأي التربوي والهيئات المختصة في هذه الشأن والرأي العام وهذا في حد ذاته سيولد ارهاصا آخرا صعبا يصعب تجاوزه مستقبلا.
أمام هذا الوضع الراهن،فلا سبيل لتجاوزه الا بفتح حوار عميق ومسؤول بين الجهات الوصية للقطاع التعليمي التربوي وممثلي هذه الاحتجاجات ولاسبيل لذلك إلا الحوار البناء.
اضف الى ذلك النظر في الارهاصات التي باتت تؤرق قطاع التربية والتكوين عموما والوعي بكل جوانبه الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية ،ومن ثم الانفتاح عن المقاربات السوسيولوجية في تفكيكها للواقع التربوي واجابتها عن الواقع المطروح.
فطموحنا للارتقاء بالمدرسة العمومية لن يتأتى الا من خلال التحليل الاجتماعي الموضوعي لبنياتها ومعرفة مكامن الخلل بها ،هذا دون شك سيساعد على التمحيص الجيد للتحديات التي اصبحت تعيشها خصوصا اليوم ومن ثم معرفة اسباب هذه التحديات بشكل أدق وأكثر منطقية .
والاصلاح التربوي الذي سيقوم على أساس مقاربة سوسيولوجية شاملة لجوانب ارهاصات قطاع التربية والتكوين سيكون مدخلا اساسيا وطريقا لتجاوز مثل هذه التحديات وغيرها من التحديات الأخرى .
وأختم بقول الدكتور عبد الله الخياري: لايقتصر دور الأستاذ في انتقاء وتنظيم وتقديم المعرفة المدرسية،بل هو أساسا نموذج و قدوة ملهمة بالنسبة للمتعلمين…”